متابعة – عبد العزيز اغراز
نوه مولاي إسماعيل بصير شيخ الزاوية الدرقاوية البصيرية ورئيس مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام، بعناية الملك محمد السادس بفئتي الطفولة والشباب، موضحا ن ذلك يتجلى في بنود وفصول الدستور المغربي، وفي تأسيس العديد من المؤسسات الدستورية وغيرها التي تعنى بهذه الفئات، كالمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، ومؤسسات التكوين المهني الرائدة في تعليم مختلف الحرف والتكوينات، ودور الشباب، والمركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال، وبرلمان الطفل…
جاء ذلك أثناء افتتاح أشغال الندوة العلمية الدولية التي نظمتها الاسبوع المنصرم، الزاوية البصيرية الدرقاوية ببنى عياط، إقليم أزيلال، تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس نصره الله، حول موضوع “أهل التصوف والإشكاليات المعاصرة للطفولة والشباب” ، بمناسبة الذكرى الثانية والخمسين لانتفاضة المناضل سيدي محمد بصير التاريخية بالعيون، وعرفت حضور عدد من الشخصيات الرسمية، يتقدمها والي جهة بنى ملال خنيفرة، ومشاركة شيوخ وباحثين وعلماء من عدة دول حول العالم.
وأورد الشيخ مقتطفا من خطاب الملك محمد السادس الموجه إلى القمة السادسة للاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي: ” من الطبيعي أن يخاطب المغرب، بحكم انخراطه في دينامية التاريخ وحرصه على مراعاة متطلبات المصير المشترك، كلا من إفريقيا التي ينتمي إليها وأوروبا الشريكة الجارة والمباشرة. إن التعليم والثقافة والتكوين المهني والتنقل والهجرة كلها قضايا تشكل مجتمعة أولويات عملنا في المغرب وفي إفريقيا، وفي إطار شراكتنا مع الاتحاد الأوروبي. وذلك لأن القاسم المشترك بين كل هذه القضايا هو الشباب الذي يشكل رأسمالنا البشري، والذي ينبغي للشراكة بين القارتين أن تستثمر فيه ومن أجله بما يضمن لها بلوغ أقصى إمكاناتها.” وقالت الأميرة لالة مريم رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل: ” لا يهم العالم الذي سنتركه لأولادنا، بقدر ما يهم الأولاد الذين سنتركهم لهذا العالم”.
وتحدث عن تجربة الطريقة البصيرية في تأطير الطفولة والشباب في رحاب مؤسساتها التعليمية، موضحا أنها تحاول أن تلامس جوانب عدة منها: التربية على الأخلاق والقيم الإسلامية المعتدلة، ثم التعليم، ثم التربية على التشبث بالثوابت الوطنية وقيم ومعتقدات وعادات الأمة المغربية، والتكوين الجدي وصقل الشخصية لتحمل المسؤولية، وتيسير سبل الاندماج في المجتمع.
وأضاف أن حضور الطفل الصغير والطالب الشاب في مدرسة الزاوية البصيرية وتلقيه لمختلف المواد الشرعية والعلوم الإنسانية بجدية، وشهوده لمختلف العبادات في المسجد والمجالس الإيمانية، واستقباله لضيوف الزاوية وخدمتهم، وخدمة المدرسة التي يتابع فيها تعليمه، ومخالطته لغيره من التلاميذ من مختلف جنسياتهم وقبائلهم وطبقاتهم الاجتماعية، وإشراكهم في تحمل المسؤوليات الصغيرة والكبيرة، كل هذا يكسبهم معارف متنوعة ويفتح ملكاتهم ويسهم في تكوين شخصيتهم وصقلها، ويمكنهم من تكوين مزدوج متفتح، يسهل عليهم سبل فهم الواقع والانخراط في نفع الوطن والمجتمع.
وتابع أن غالبية طلبة الزاوية يحصلون على نتائج دراسية مشرفة سواء في المرحلة الثانوية أو الجامعية أو في الدراسات العليا، مضيفا أنهم “يشقون طريقهم بسهولة ويسر واقتدار في علاقتهم بوالديهم، وبنجاح تام في علاقتهم بأسرهم الجديدة، وعلاقتهم بالناس وبوطنهم الذي تربوا في أحضانه، ويبقون على صلة ووفاء بالمؤسسة وشيخها وأطرها، ويبقون متشبثين بكل القيم الإسلامية والوطنية التي تربوا عليها، وينخرطون جديا وبكل مسؤولية في نفع أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم ووطنهم.
وشدد الشيخ بصير على أن الأطفال والشباب هم الرأسمال الأكبر، مبينا أن المجتمعات التي لا تستثمر في أطفالها وشبابها هي مجتمعات تنتحر انتحارا بطيئا، ونبه الى أن الأمم المتقدمة من حولنا، تفوقت لأنها استثمرت في الإنسان نفسه، من خلال العمل على تعليمه وتكوينه وتخليقه.
ولفت الى أن تربية أطفالنا وشبابنا تربية تجعل منهم رجالا يعتمد عليهم في المستقبل تتطلب مهارات وتقنيات عالية ومتابعة شبه يومية، وقال :” هي تربية تلقيناها بالسليقة والفطرة عن طريق آبائنا وأجدادنا رحمهم الله تعالى مع قلة معلوماتهم في هذا الجانب، ولكن تشبثهم بدينهم وتجربتهم الميدانية العميقة التي راكموها طيلة حياتهم جعلت منهم معلمين متمهرين في تكوين وتخريج الرجال”.
وأشار الى أن العديد من الإشكاليات المعاصرة التي تعاني منها فئات الطفولة والشباب تعود إلى غياب القدوة والنموذج السلوكي في حياة الأطفال والشباب، والاعوجاج الملحوظ في خطط مجالات التعليم والتكوين والتربية والثقافة، مشيرا الى الاثر السلبي للفضائيات والإنترنت والإعلام على مختلف أنواعه لتوجيههم وتكوين شخصيتهم.
ولفت الى أن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، استطاع “أن يصنع من صحابته رجالا يضرب بهم المثل في كل ميدان من الميادين وفي كل تخصص من التخصصات، بعد أن لقوه وهم لا شيء في جاهلية جهلاء، لنعلم إذن أن الرجال يصنعون وفي صفحات التاريخ يخلدون”، وقدم مثال الصحابي معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي كان يصلي بالناس وهو ناشئ صغير، وسيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنه الذي قاد الجيش وفيه كبار الصحابة رضي الله عنهم وهو لم يتجاوز سبع عشرة سنة.