تصوف.. الدكتور منير القادري يحاضر حول قيم الاعتدال وعدم الإسراف

0
239

 بمناسبة مشاركته  مساء السبت 30 يوليوز 2022، في الليلة الرقمية الخامسة عشر بعد المائة  من ليالي الوصال الرقمية “ذكر وفكر”، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال، تناول الدكتور مولاي منير القادري بالدرس والتحليل موضوع « القصد المصون في التربية على قيم الاعتدال وعدم الإسراف».

ويشار إلى أنه قد تم خلال هذه الليلة الرقمية تقديم التهنئة والتبريك  لمولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله والشعب المغربي والأمة الإسلامية جمعاء بمناسبة حلول السنة الهجرية الجديدة 1444، وكذا بمناسبة تخليد الذكرى الثالثة والعشرين لتربع مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، على عرش أسلافه الميامين مع الدعاء لجلالته  بالصحة والعافية والحفظ والنصر والتأييد، كما تم تقديم  التهنئة لفريق النهضة البركانية بمناسبة فوزه بكأس العرش لموسم 2020-2021 . 

لفت رئيس مؤسسة الملتقى في بدايتها إلى أن نعمة الوسطية والاعتدال نابعة من إرادة إلهية، وليست مجرد خيار إنساني لما هو مباح من الأمور، مستشهدا بقوله تعالى { وكَذَلكَ جَعَلْنَاكُمْ أمَّة وسَطا لتكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} سورة البقرة، الآية: 143.

وأبرز أن الوسطية التي أرادها الله تعالى للأمة الإسلامية تشمل الوسط في التصور والاعتقاد، وفي العبادة والمعاملات، وفي التفكير والشعور، وفي التنظيم والتنسيق، وفي الاستهلاك والتدبير ، حتى تحقق لها الشهادة على حضارات الغلو والإفراط والتفريط، فتنقد البشرية من براثين الاستلاب الفكري والعولمة المتوحشة الموجهة للاستهلاك المفرط والإسراف والتبذير .

ودعا في نفس المضمار إلى ضرورة تلبية متطلبات الروح الى جانب متطلبات الجسد، مفسرا ذلك بأن الله  خلق الإنسان ببعدين: هما البدن  والروح، وأن لكل منهما حاجات فطرية طبيعية، محذرا  في نفس الوقت من أنه إذا انساق الإنسان وراء متطلبات الجسد فقط ولم يلبِّ إلا حاجاته المادية ضَلَّ طريقَه إلى السكينة والسعادة، فتضطرب نفسه وتظهر عليه الأمراض والأدواء النفسية والاجتماعية المستعصية، مشيرا إلى أن هذا هو واقع كثير من المجتمعات المعاصرة التي خالفت الفطرة المستقيمة وتركت عمارة الأرض وانهمك أهلها في طلب الماديات والإفراط في إشباع الرغبات الجسدية ووقعت في عدم التوازن وعاش عيشة ضنكا.

 وأوضح القادري أن الله جعل لكل شيء قدَر، وأن هناءة العيش في التنقل بين أضداد الحياة، وأردف أن ذلك إذا كان  بقدر الضرورة من غير مبالغة كان الاعتدال المحمود والتوسط المطلوب، وأضاف أن الانسان إذا بالغ في الإقلال أو الإكثار خالف وأفسد موازين الأمور ودخل في حدود الضرر، وكان الإسراف والغلو والفساد في الأرض، مستدلا بقوله سبحانه وتعالى { وَلَا تُطِيعُواْ أمْرَ المُسْرِفينَ الذينَ يُفْسِدُونَ فِي الارضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} سورة الشعراء، الآية: 151.

وفي السياق ذاته نبه إلى  ضرورة الاهتمام  بتقديم فكر مقاصدي وسطي معتدل يراعي واقعنا ويمنح الأمل للعالمين، وتابع موضحا انه فكر مستوحى من معالم النهج المحمدي في التعامل مع أحكام الشريعة في الحياة، وأنه يكون بمثابة رؤية إسلامية خالصة تحقق للفرد التوازن بين حاجياته الروحية ورغباته المادية بما يضمن كرامته وشخصيته، وتساعد على بناء شخصية الفرد والمجتمع من خلال قواعد تحدد الحقوق والواجبات، وتحقق العدالة والمساواة، ليخلص الى أن منهج الوسطية والاعتدال هو القصد المصون عن الإفراط والتفريط والأخذ بالأمر المشروع من غير زيادة ولا نقصان.

 وأورد القادري قولا للعلامة ابن القيم رحمه الله من كتابه (مدارج السالكين): «وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان؛ إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضالتين والوسط بين طرفين ذميمين، فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له فالمغالي فيه مضيع، هذا بتقصيره عن الحد وهذا بتجاوز الحد».

وقدم صورا من السيرة النبوية لقيمة الوسطية والاعتدال؛ لافتا الى أن  المتأمل في سيرته صلى الله عليه وسلم، يجد أنه كان داعية خير ورحمة وهدى واعتدال، مشيرا الى أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه: « مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْماً ».

وأضاف أن الإسلام يربي أبناءه على عدم الإسراف في كل تفاصيل حياتهم اليومية، مستشهدا بقوله تعالى :{ والذِينَ إذَا أنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفواْ ولمْ يُقْتِرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}.

وانتقدَ مظاهر التبذير في مجتمعاتنا المعاصرة، خصوصا الإسراف في استخدام نعمة الماء دون مراعاة ظروف الجفاف وشح الأمطار والموارد المائية، داعيا إلى ترشيد استعمال المياه والمحافظة عليها، مستدلا بمجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة منها: “أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسَلَّمَ مَر بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ :ما هذا السرف؟ فقال: أفي الوضوء إسِرافٌ، قال: وإنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ”، معتبرا أن  النبي صلى الله عليه وسلم  من خلال هذا الحديث  أعطى خريطة طريق في التعامل مع المحيط و مع البيئة والتصرف في الماء والمحافظة عليه حتى في الوضوء فمن باب أولى في غيره من الاستعمالات لأنه عصَبُ الحياة.

وأضاف أن الإسلام حث المسلمين على الاعتدال في الانتفاع وهي خصيصة من خصائص السلوك الإسلامي، وأنها من خصوصية القيم الإسلامية لمقصد حفظ توازن النوع الإنساني والبيئي، واستطرد موضحا: “فلا ينتفع الإنسان بالبيئة إلا بالقدر الذي يحفظ استمرار النوع وإعمار الكون ولا يتسبب في تدمير البيئة والإخلال بالتوازن البيئي مما يتسبب في مشاكل بيئية”، مذكرا بأن  الإمام مالك كره الصيد الذي به السرف، وأنه  حرم العبث بالأشجار .

 وأكد في ختام مداخلته أن الأمة تعظمُ دولة وشعبا وترقى في سماء العزة والمنَعة جماعات وأفرادا بخصال من أكبرها الاقتصاد في الإنفاق والترشيد في الاستهلاك، وأنه لا تكون أمة قوية بعد الإيمان بالله وتوحيده إلا  حين يكون اقتصادها قويا، وأنه لا يكون اقتصادها قويا إلا حين يكون ما توفره وتحافظ عليه أكثر مما تصرفه وتستهلكه حكومات وشعوبا وجماعات وأفرادا، لأن ما توفر الأمة وتحافظ عليه من قوتها وإنتاجها هو قوة لها ولمستقبل أجيالها، فالفضل كل الفضل بعد الإيمان بالله وتوحيده أن يكون لهذه الأمة رجال سليمة أبدانهم مضيئة أبصارهم مضاءة عزائمهم.