كتب / محمد الأمين غي
في مثل هذا اليوم من عام 2020 ، تم الاتفاق على صفقة انضمام أبرز معارض سنغالي إلى الحكومة، وذلك تحت غطاء سياسي تبنى على مصالح خاصة حسب وجهة نظر بعض المحللين السياسيين.
المعني بالأمر ، هو السياسي المخضرم رئيس الوزراء الأسبق (2004-2002) إدريس سك الذي حل ثانيا في سباق الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 24 فبراير 2019 بعد المرشح الرئاسي ماكي صال.
وعقب صدور النتائج المعلنة على مراكز الاقتراع، والتي تنفي حتمية الجولة الثانية، وإعلان الفوز لصالح ماكي صال، كان حزب “رومي” أو بعبارة أدق “تحالف إد 2019 ” الذي يترأسه إدريس سك أحد الأحزاب السياسية التي قاطعت لهذه النتائج، ووقع على مايلي :
❖ عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات قطعا ؛
❖ عدم تقديم التهاني للرئيس ماكي صال؛
❖ عدم متابعة وتوجيه احتجاجات على النتائج المعلنة.
هذا تعقبه أجواء سياسية هادئة، وصمت رهيب يلازمه السيد إدريس سك على نحو 8 أشهر دون خروج إعلامي ولا تعليق على مجريات الأحداث السياسية في البلاد.
وكان تلبية حزبه في الحوار الوطني الذي دعاه السيد ماكي صال ما لم يشر أبدا إلى أن هذا القيادي الذي يعتبر زعيم المعارضة سينضم إلى الحكومة لاحقا.
وواضح أن انضمام السياسي إدريس سك إلى صفوف الموالين للنظام كان بمثابة قنبلة لدى أبناء الشعب والمراقبين ، إلا أن الأخير سلّط الضوء- ربما للتخفيف من وقع القنبلة- مبررا عمله بجانب رئيس الجمهورية بأنه ضرورة فرضتها الظروف الدولية القاهرة بسبب الجائحة التي دفعت بالعديد من الدول إلى الحضيض.
وافق “سك” على الانضمام إلى الحكومة مع أخذ حقيبتين وزارتين لصالح حزبه وأنصاره، وكان نصيبه من النظام هو تولي منصب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
هذا المجلس الذي يعتبر المؤسسة الثالثة في الدولة، بعد الحكومة ومجلس الوطن، وتتلخص مهمته اجراء مشاورات واسعة في مختلف الكيانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى البيئية في البلاد.
▪️إدريس سك والشعب؛
لم يشعر أي متابع عن مجريات الأحداث في السنغال، تقارب السيد إدريس سك بصفته رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مع المواطنين وخصوصا سكان الريف الذين يحملون ثقلا كبيرا على اقتصاد الوطن في مختلف المجالات الزراعة والفلاحة وصيد الأسماك.
بل مع وجود هذه المؤسسة، لم تمنع تضرر المواطنين ودخولهم في أزمة اقتصادية ملاحظة منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، ومطالب تأتي من كل فئة من فئات الشعب عن محاولة تخفيف غلاء المعيشة والأسعار المرتفعة في المواد الغذائية الأساسية وخصوصا السكر والأرز والزيت.
وعلى الصعيد السياسي، تراجع الثقل السياسي الذي يحمله إدريس سك في عقر داره (تييس) منذ نحو 20 عاما، ولم يعد يفز حتى داخل مركزه الأساسي الذي يصوت فيه أثناء الانتخابات، بل خسر أمام معارضين للنظام، هذا يشير إلى أن انضمامه في الحكومة ليس بصالحه ولا بصالح النظام.
▪️من هو الخاسر؟ إدي أو ماكي؟
الواضح في الأمر، أن إدريس سك انتحر سياسيا عندما وافق الانضمام إلى الحكومة دون دراسة معمقة عن مستقبله، ولعله شعر الراحة النفسية بعد مسيرة سياسية طويلة تصاحبها امتحانات صعبة للغاية، وذلك منذ إقالته من حزب الديموقراطي السنغالي “PDS” وزجّه في السجن بتهمة الفساد، وعودته للمصالحة تحت وساطة رجل دين معروف .
لم يعد ل”رجل تييس” أي قيمة كبيرة يحميها على نظر السنغاليين ربما لأجل المزاح نوعا ما، لاكن انضمام إدريس سك على الموالين للنظام جعل العديد من المواطنين يفقدون الثقة من هؤلاء الساسة التقليديين.
وبالاعتماد على مخرجات الانتخابات المحلية والتشريعية الماضيتين، فقد خسر النظام الحاكم في مدينة تييس أمام المعارضة، وهذا يدل على أن رئيس الجمهورية لم يستفد أبدا من وزن سياسي كان يحمله إدريس سك، لاكنه نجح على أمرين :
-كسر شوكة إدريس سك سياسيا بصفته معارضا بارزا أمام النظام.
-إسكاته نهائيا وجعله مهملا أمام الناس، للتمكن من قطف بطاقة التأهل في رئاسيات 2024 ، والتي يرى المراقبون إستحالته قانونيا.
لم يتبق للسيد إدريس سك النادر على فصاحة اللسان عن النطق الصحيح بالٱيات القرٱنية والأحاديث النبوية الشريفة من بين الساسة أن يف بوعوده وهو الاعتزال نهائياً عن السياسة لأنه بلغ سن التقاعد السياسي المحدد له (63 عاما) كما صرح به منذ أعوام ، ويترك المجال لحلفاءه وأنصاره .
وفي ختام هذه الورقة، يمكن القول بأن انضمام إدريس سك إلى النظام كان بمثابة إشارة واضحة على أن السياسة في بلداننا تبنى على مصالح دون مبادئ ثابتة ، وقد يجعل الأمر إلى خطورة في مستقبل الأجيال المتعاقبة عندما يكون المراطنين على اليقظة التامة في مجريات الأحداث.