كتب / محمد الأمين غي
وضع المعارض عثمان سونكو في الرقابة القضائية يتجاوز الآن سنة دون محاكمته :
بعد مرور عام على إطلاق سراح المعارض وزعيم حزب باستيف عثمان سونكو في قضية اتهامه بالاغتصاب لفتاة في العشرينات من عمرها تدعى أجي سار، والتي أعقبتها تحركات شعبية كبرى في دكار وفي مناطق أخرى في السنغال .
وشهدت هذه التظاهرات الشعبية المطالبة بتحرير زعيم المعارضة المعتقل في طريقه إلى المحكمة لتلبية دعوة عميد القضاة ، إستهداف كبرى الشركات الفرنسية في البلاد مع مشاهد العنف وأعمال شغب ونهب للمنتوجات الفرنسية ، وذهب ضحايا لهذه الموجة العنيفة من التظاهرات 14 شابا ، تلك هي الأمور التي سببت تراجع السلطة التنفيذية عن قرارها الأول وعدم الإصرار على ملف قضائي ، أثار كل هذا العنف معتبرة إياه شأنا مدنيا ، ثم الضغط على القضاء لإطلاق سراح سونكو بعد وساطة قام بها زعماء الطرق الدينية والكنيسة الكاثوليكية للتهدئة.
وهكذا قرر عميد القضاء الراحل -سمب سال- في 8 مارس 2021 عقب الاستماع إلى المعتقل عثمان سونكو في قسم الأبحاث بدكار ، إطلاق سراحه ووضعه في الرقابة القضائية مع مصادرة جواز سفره .
وإزاء ذلك، طلبت هيئة الدفاع عن زعيم باستيف من النيابة العامة مرات عديدة إعادة جواز السفر لزبونهم ليتمتع الأخير بالسفر خارج البلاد، وكان آخره في “منتدى الدول الأعضاء لعملة إيكو، الذي عقد في الفترة من 26 إلى 28 مايو 2021 في لومي (توغو) ، وهو منتدى تمت دعوته للمشاركة إلى جانب العديد من الشخصيات الأخرى.
لاكن النيابة العامة اعترضت على الطلب بتسليم جواز السفر إلى الزعيم السياسي بحجة أن القضية على وشك التحقيقات والإجراءات القانونية جارية ، ولم يتم حتى اللحظة تجاوز خطوة فيها للا ستماع إلى أي طرف سواء المتهم أو المدلكة وصاحبة صالون التجميل “اندي خد انجاي.”
وتثير القضية جدلا واسعا في أوساط المجتمع السنغالي بعد مرور عام على الأحداث دون فتح جلسة المحاكمة مع قيد الطرفين بالرقابة القضائية التي تتلخص بالشروط التالية :
- عدم مغادرة الحدود الإقليمية التي حددها قاضي التحقيق إلا بإذن هذا الأخير،
- عدم الذهاب إلى بعض الأماكن المحددة من طرف قاضي التحقيق،
- المثول دوريا أمام المصالح أو السلطات المعينة من طرف قاضي التحقيق،
- تسليم كافة الوثائق التي تسمح بمغادرة التراب الوطني، أو ممارسة مهنة أو نشاط يخضع إلا بترخيص إما من أمانة الضبط أو مصلحة أمن يعينها قاضي التحقيق مقابل وصل،
- عدم القيام ببعض النشاطات المهنية عندما ترتكب الجريمة إثر ممارسة أو بمناسبة ممارسة هذه النشاطات ، و عندما يخشى من ارتكاب جريمة جديدة،
- الامتناع عن رؤية الأشخاص الذين يعينهم قاضي التحقيق أو الاجتماع ببعضهم،
- الخضوع لبعض إجراءات فحص علاجي ،
- إيداع نماذج الصكوك لدى أمانة الضبط و عدم استعمالها إلا بترخيص من قاضي التحقيق.
يمكن قاضي التحقيق عن طريق قرار مسبب أن يضيف أو يعدل التزاما من الالتزامات المنصوص عليها في الفقرة السابقة.
ماوراء الستار في خروج أجي سار وتصريحاتها المثيرة للاهتمام؛
بعد مرور عام على أحداث مارس، وبدون عقد جلسة المحاكمة حول هذه القضية ، نلاحظ اهتمامات واسعة لكبرى وسائل الإعلام الفرنسية والدولية فيها، حيث أجرت صحيفتا “لوموند الفرنسية و مجلة جون أفريك ” مقابلة صحفية خاصة مع الشابة أجي سار وتناقلتها إذاعة فرنسا الدولية في وقت ينتظر الجميع صدور دلالات واضحة في القضية، الأمر الذي أحدث جدلا واسعا في أوساط المجتمع بعد صمت طويل من قبل الجهات المختصة عنها.
“إعادة فتح الملف مطلبي الأساس، ولازلت أعيش في ظلام رهيب بسبب الظلم الذي تعرضت له خلال هذا الاغتصاب، لم أستطع العيش في المجتمع لأني منبوذة ” ، بهذه العبارة الواضحة عبرت أجي سار للصحفيين الفرنسيين عن أسفها تجاه تأخير عقد جلسة المحاكمة في قضيتها مع الزعيم السياسي عثمان سونكو ، وهي تطالب بإرجاع كامل حقوقها المنهوبة وفق تعبيرها.
في الوقت ذاته، نشاهد مطالبات من المعسكر الآخر تسريع وتيرة الإجراءات القانونية لفتح الملف حتى يتمكن زعيمهم من التخلص منها والتركيز على مشروعاته السياسية ومستقبله تحضيرا لرئاسيات 2024 القادمة التي تعتبر مشاركته فيها حتميا .
إذا كان كل الأطراف المعنية راغبة في عقد جلسة المحاكمة، فماذا تنتظر السلطة القضائية للحكم على هذا الملف الذي تأخر منذ عام دون إيضاحات ؟ ولايوجد مبرر عن تأخيرها إلا لأمور سياسية فقط.
ليس من المعقول أن يتم تعيين قاض ٱخر منصب عميد القضاة منذ 22 نوفمبر الماضي ليتغافل عن هذه القضية التي كان الناس على أوج الحاجة لمعرفة الحقيقة وتجاوز مرحلة الحرب الكلاميّة والإعلامية التي لافائدة فيها.
فدخول الإعلام الفرنسي في الخط ليس وراءها إلا أيادي خفية لزعزعة المجتمع الدولي والرأي العام في الاهتمام بالقضية والتركيز عليها لتصفية حسابات سياسية ضد الطرف الٱخر، وخصوصا في الظرف الذي تم انتخابه رئيسا لبلدية زينغشور.
فمن يدري ربما هذه الحملة الإعلامية على المستوى العالمي ليست لغرض إخفاء خطوات هذا السياسي التي حركت مشاعر وطنية داخل الشباب، وخصوصا بعد تنفيذ قرارات لإزالة الرموز الفرنسية والأجنبية في البلدية التي يترأسها حاليا، وتبديل أسماء شوارعها بشخصيات ورموز إفريقية .
إن الأجندة السياسية التي يطبقها الطرف الأول حسب بعض المراقبين واضحة تمام الوضوح، ليست غرضهم عقد جلسة المحاكمة لمعرفة الحقيقة ، بل العمل على تقليب الرأي العام للاهتمام بالقضية دون توقف وهو مجرد لف ودوران للسيطرة على كامل فرصهم أمام خصمهم ، ولعل الشعب فهم هذه اللعبة منذ أن خرج للتظاهر ، مطالبا بالإفراج عن عثمان سونكو ، واعتبار هذه التهم الموجهة إليه مؤامرة سياسية.
في ختام هذه الورقة، أقول إذا كانت إعادة فتح الملف هي بمثابة فرصة لتكرار السيناريو الخطير في الدولة ، فعلى الحكومة أن تقلب هذه الصفحة لتجاوز مرحلة قمع المعارضة والتركيز على مشاريعها المستقبلية.