بقلم الكاتب المالي عبد الرحمان سيبي
يصادف 18 أغسطس مرور عام على الانقلاب العسكري على الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا بعد انتفاضة شعبية بقيادة حركة 5 يوينو دامت عدة أشهر . وبعد مرور عام على تلك الحادثة يتساءل الجميع عما ماذا تغير وما إن كان الانقلاب العسكري نجاح أم فشل وسنحاول في هذه المقالة تحليل ذلك بالتطرق على النجاحات والاخفاقات وأهم التحديات التي تواجها سلطات المرحلة الانتقالية .
• النجاحات:
1- تنظيم المشاورة الوطنية : قبل انعقاد المشاورة الوطنية كانت من الشبه المستحيل اجماع جميع ابناء مالي في قاعة واحدة لمناقشة مصيرها ، بسبب الخلافات العميقة بين بعض الاطراف وسوء نوايا البعض ولكن سلطات المرحلة نجحت في تحقيق ذلك ، وهذه المشاورة هي التى اعطت للمرحلة الانتقالية نوع من الشرعية ، والوثيقة التى اعتمدت فيها هي تعتبر كالمرجع بل حتى فوق الدستور .
٢- بناء مستشفى عسكري واخرى عام وبدء العمل في اخرى :
اطلاق مشروع بناء مستشفيين في عام واحد شيء ايجابي وهو الطريق الصحيح لحل احدى اهم المشكلات التى تواجهها مالي : نقص البنى التحتية الصحية ، وخاصة حينما يكون فيه مستشفى عسكري التى لم تسبق لأي حكومة تنفيذ هذه الفكرة منذ الاستقلال. ورأينا كذلك نجاح العسكر على تشغيل مستشفى الملك محمد السادس التى بقيت عدة سنوات بدون تدشين منذ بضع سنوات وهذا انجاز يحسب لسلطات المرحلة الانتقالية.
٣- تحسين الوضع الامني وتكثيف الهجمات ضد الارهابين :
منذ مجيء العسكر الى الحكم نلاحظ تغيير كبير في ادارة الجيش المالي فقبل مجيئهم كان الجيش في وضعية دفاع فقط ولكنه تحول الى هجوم فعمليتا مالكو (maliko) و اكلبس (eclipse) كبدا خسائر فاضحة في صفوف الارهابين ، ويلاحظ كذلك تعزيز نقاط الدفاع وصد بعض الهجمات الارهابية .
ويلاحظ كذلك قيام السلطات بجنازة عسكرية للجنود الذين ماتوا دفاعا عن الوطن عمل الذي كان يرفض النظام السابق القيام به محتجا بعدم وجود امكانية لذلك حسب ما قال النائب كريم كيتا (ابن الرئيس السابق ورئيس لجنة الدفاع في البرلمان السابق) .
وكذلك لقد انخفض عدد الهجمات والوفيات بشكل كبير جدا مقارنة بفترة حكم النظام السابق ، ولم يحدث اي مجزرة منذ مجيء العسكر الى الحكم .
٤- انقاذ العام الدراسي الماضي ومواصلة العام الدراسي بدون عرقلة : منذ ٢٠١٧ كان يتم عرقلة العام الدراسي في كل عام بسبب الاضرابات اما من قبل نقابة المعلمين او الطلاب ولكن في هذا العام لم يحدث ذلك ، رغم ان نقابة الاساتذة اضربت مرات عدة الا انها لم تعرقل او تهدد انهاء العام الدراسي وحتى انه لم يؤثر على مدة الدراسة.
٥- تخفيض ميزانية الرئاسة :في عهد النظام السابق كان الناس يشتكون من كثرة سفر الرئيس ومن غلاء الخدمات التى توفر له اثناء سفره مما يكلف ميزانية الدولة الكثير والكثير ، ومنذ مجيء السلطات الحالية فلقد قلت السفر الخارجي . وفي الثلاث الاشهر الاخيرة منذ مجيء الكولونيل اسيمي غويتا فإنه قد تنازل عن ثلثي ميزانية الرئاسة لصالح الخدمات الاجتماعية العامة (توفير مياه نظيفة للشرب و بناء مستشفيات )
٦- مما نجح فيه سلطات المرحلة الانتقالية ايضا هو مشاركة الحركات الموقعة على إتفاقية الجزائر في الحكومة امر الذي لم يتمكن النظام السابق من تحقيقه .وكذلك حصول موظفي السكك الحديدية على رواتبهم بدون اضراب . كما قام السلطات بمشروع ترميم ٢٠٠٠ مدرسة بميزانية 5 مليار فرنك
• الاخفاقات:
١- عدم تنظيم حوار او مؤتمر اجتماعي : من اكبر أخطاء التى ارتكبتها السلطات الحالية هو عدم تنظيم حوار اجتماعي مع النقابات والحصول على الهدنة ، فكما معلوم في الاعراف فإن المرحلة الانتقالية ليست مرحلة مطالبات نقابية او تجازب مع الحكومة لكن من يدرك الواقع المالي وطبيعة النقابات فيها يعرف بأن احترام هذا العرف شبه مستحيل بسبب الرابطة القوية بين العمل النقابي والسياسة او بين رؤساء النقابات والسياسيين فكان يجب على السلطات استباق الامر والحصول على هدنة يتنازل النقابات بموجبها عن مطالبهم الى انتهاء المرحلة الانتقالية ، وفشلهم في ذلك كلف الدولة اضرابات كثيرة بدءا باضراب نقابة untm (اكبر النقابات في مالي) وصولًا بنقابة سائقي المواصلات العامة ، فنقابة المعلمين بشأن مادة ٣٩ ، ولا تزال النقابات تهدد الحكومة بالاضراب حتى المتحالفة معاها أو المشاركة في الحكومة كنقابتي cdtm و cstm (النقابة الثانية والثالثة في البلاد )اللتان وضعا اشعار اضراب لنهاية الشهر الحالي (اغسطس)
واضراب اليوم للنقابات يكلف الدولة المليارات فحسب مجلة بارومتر baromètre فان اضراب نقابة ك untm يخسر الدولة 30 مليار فرنك سيفا بينما هي قد اضربت اكثر من ١٠ ايام منذ بدء المرحلة الانتقالية لكم ان تتخيلوا حجم الخسائر لو زدنا عليه اضراب النقابات الاخرى ،هذا فقط تأثيره الاقتصادي و تاثيراتها الاجتماعية ايضا جسيمة .
٢-عدم اشراك الجميع في التشكيل الحكومي : كانت هناك فرصة ذهبية لتشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة جميع القوى السياسية مما يؤدي الى الاستقرار السياسي ، وهذا الاستقرار مهم جدا لكي يركز الحكومة على الاولويات دون الانشغال باللعب السياسية ، لكن للأسف لم يتم ذلك ،فلم يتم اشراك بعض القوى السياسية في البلاد في التشكيل الوزاري وتم اقصاء الاخرين عن قصد ، وقد نتج عن ذلك ايجاد معارضة سياسية نشطة ضد السلطات ( حركة ٥ يونيو في الفترة الاولى ، الاغلبية السابقة في عهد النظام السابق في الفترة الثانية ) بينما السلطات كانت بامكانها اشراك الجميع مما سيجنبها من ازمات سياسية قادمة في المستقبل ، وخاصة اننا نعيش في مرحلة حرجة وحساسة حيث بقاء كيان الدولة مهدد .وكذلك اقصاء الشخصيات وحركات المجتمع المدني بينما في الواقع المالي لا يمكن لأي مؤسسة او جماعة حكم البلاد بدون اشراك المجتمع المدني حيث ان له ثقل كبير ودور اجتماعي مهم جدا وحادثة قرية فرابارو اكبر دليل على ذلك ، حيث تم تحرير المدينة بعد تدخل المجلس الاعلى الاسلامي احد اهم كيانات المجتمع المدني .
- وكذلك في الجدول الانتخابي لم تتم مشاركة الاحزاب السياسية في اخذ القرار رغم انهم اول المعنيين بالامر.
- وكذلك في اختيار اعضاء لجنة التوجيه الاستراتيجي في الفترة الاولى من المرحلة الانتقالية تم اقصاء رجال الدين
٣- عدم احترام القوانين: - في تعيين اعضاء المجلس الانتقالي :وثيقة المرحلة الانتقالية حددت الية اختيار اعضاء المجلس الانتقالي بالتفاصيل الدقيقة ولكن السلطات لم تحترم هذه التقسيمة وقامت بتعيين اعضاء المجلس كما يريدون مما اذهب الشرعية من المجلس وجعله كيان تابع للعسكر بينما في تركيبة المؤسسات في مالي للمجلس الانتقالي او البرلمان دور كبير حيث انه المعني بمناقشة القوانين واقرارها و بالتصديق على الدستور ومراقبة اداء الحكومة فان اصبح هذه المؤسسة اداء على يد الجيش فالسلام على الفصل بين السلطات . علاوة على امكانية عدم اعتراف بعض الاحزاب السياسية او حركات المجتمع المدني لقرارت تلك المجلس باعتباره غير دستوري ، وخاصة في وقت هناك احتمالية صياغة دستور جديد امر الذي سيواجه بلا ادنى شك معارضة شرسة .
- في تنفيذ مادة ٣٩ : لقد صفق الجميع للعسكر في المرحلة الاولى من الفترة بعد تنفيذهم لمادة ٣٩ التى تخص المعلمين ولكن في الفترة الثانية يلاحظ رفض السلطات عن تنفذها رغم وجود نص قانوني يجبر الحكومة على تنفيذه ولقد ادى ذلك الى مقاطعة نقابة للامتحانات النهائية مما سبب عدم مشاركة بعض الطلبة في امتحان التقني bt بسبب اغلاق الاساتذة ومنعهم من تنظيم الامتحان ، فالمسؤول الوحيد لتلك الحادثة هو السلطات الحالية ، و ننتظر الحلول التى ستقدمها للطلبة الذين لم يشاركوا في الامتحان .
• مدة المرحلة الانتقالية: مدة المرحلة واضحة جدا في الوثيقة (١٨ شهرا ) بينما السلطات تسعى الى زيادتها في اختراق صريح وواضح للوثيقة .
٣-محاولة تنفيذ اتفاقية الجزائر بصيغتها الحالية : اتفاقية الجزائر من اكثر المواضع اثارة للجدل في مالي ، وكلما اراد السلطات تطبيق بعض احزائها قامت حركات ضغط لعرقلتها ، وحسب رأيي الشخصي اتفاقية كهذه التى لها تأثير كبير على مستقبل البلاد وحتى على وجودها ، لا يمكن للمرحلة الانتقالية تنفيذها او مراجعتها ، لأنها تقسم اكثر ونحن الآن بحاجة الى لم الشمل وتوحيد الكلمة ، وحاليا تواجه المرحلة الانتقالية ضغطا خارجيا لتطبيقها وداخليا لرفضها ،وما اخشاه هو ان يستخدم سلطات المرحلة الاتفاقية كمساومة سياسية مع الغرب في ملفات مصيرية : كاتفاقية الدفاع المشترك و اتفاقية الجزائر .
٤- الازودواجية والانتقاعية في تنفيذ القوانين :
هناك ازدواجية واضحة في السماح للتجمعات والتظاهرات فحينما يكون تلكم التجمعات يتم السماح لها بدون اشكالية بينما في نفس الوقت يتم رفض تجمعات اخرى معارضة لمنهج السلطات بحجة كوفيد-١٩
وحينما كان سومايلا سيسي حيا ارادوا ادراج مادة في القانون الانتخابي تمنع ترشح كل من تجاوز عمره ٧٠ عاما ، ورأينا كذلك ما حدث في ملف ( زعزعة امن واستقرار البلاد ) الذي بموجبه اردوا تضييق الخناق على رئيس الوزارء السابق بوبو سيسي من خلال زج المخلصين له الى السجن .
السماح لبعض المتظاهرين بالتجمع بينما في نفس الوقت يتم رفض التجمعات الاخرى بغرض كوفيد-١٩ ،فالسلطات كانت تسمح فقط في المظاهرات التي تمشي مع منهجه وتمنع التي تعارض سياساته .
٦- الفشل على مواجهة ازمة الغلاء: ارتفت اسعار المواد الاولية منذ بضعة اشهر ولم تستطع السلطات اخذ اجراءات صارمة لتخفيضها ، فالمواطن العادي لا يهمه الا الحصول على قوت يومه وان واجه صعوبات في الحصول على ذلك ايضا يطرح على نفسه سؤال حول سبب وجود الحكومة وخاصة ان المهمة الاولى لاي حكومة هي حماية الشعب فما فائدة حكومة ان فشلت لي تلك المهمة ( اي حماية الشعب من التجار )
• التحديات :
التحديات القادمة التى تواجه سلطات المرحلة الانتقالية هي : التمكن من تمديد المرحلة الانتقالية و صياغة الدستور الجديد وتمريره في الاستفتاء الدستوري و نجاح عملية التعديلات المؤسساتية وتعزيز الوضع الأمني وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة .
• و لو قارنا بين أداء الحكومة الانتقالية والنظام السابق نرى وجود تشابه في بعض الأمور كعدم اشراك الحميع في الحكومة والمحسوبية و عدم احترام القوانين وعدم التوافق بين القول والفعل وقلة نشاط الدبلوماسية المالية . بينما في بعض الجوانب كالصحة والتعليم والدفاع يمكن ان نقول بأن الامور تحسنت بينما في جوانب أخرى كالامن الداخلي ومستوى المعيشة فالامور تراجعت اما ما يخص احترام القانون ومكافحة الفساد واحترام الكلمة فإن الامور مازالت كما هي .
وأخيرا نسأل الله ان يحفظ بلادنا .