سنوات بين الصراع والمظاهرات، سنوات بين النكب والشدة، سنوات بين الحيل والتجاوز، سنوات بين القيل والقال، واليوم وصلت الحافلة إلى السدرة، فلا تقدم قيد أنملة ولا تتراجع، كل شيء مرت ببرد وسلام، لقد ضحى الشعب السنغالي النفس والنفيس وكابد كافة ضروب المشقات بين التجويع والتخويف وحرمان الحرية والسجن وإراقة الدم، وكل هذه المشقات وغيرها لم تغلق الباب أمام الشعب السنغالي للوصول إلى حلمه الأكبر، وهو قطع دبر هذا النظام الموجود منذ عهد الأجداد، وذلك بتولى من يراه أهلا للقطع وتوصيل سفينة أحلامه إلى الشاطئ، فالشعب السنغالي شعب أبيُُّ حر لقد حارب بكافة الوسائل المتاحة لبلوغ هدفه ولتغيير نمط حياته، تطبيقا للآية القائلة ( إنَّ الله لا يُغيِّر ما بقوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم ) ففي هذه الآية الكريمة إشارة واضحة إلى أن الرَّب -عز وجل- لا يمد يد العون والمساعدة إلا من تشمَّر وجلّد وسعى جاهدا جادا نحو حلمه وهدفه حينها تنزل يد الله عليه، ولا حياة لقابع ولا يتحرك ساكنا، فبقيام الشعب السنغالي وافقت إرادة الله وقدرته مع إرادتهم -والحكم للأغلبة-، وبهذه الكيفية تحققت الحلم وانقطعت أواصر النظام السابق، وبالأخص للرئيس ” مَك سل ” آخر من حمل لواء هذا النظام، والفضل كل الفضل يعود إلى السيد عثمان سونكو الذي أيقظ الشعب وخاصة الشباب من سباتهم العميق وغرز فيهم روح الوطنية والمثابرة والثقة بالنفس وأوضح مرارا وتكرارا بدلائل قاطعة بأن ضنك العيش الذي يعانيه الشعب السنغالي يعود إلى النظام الفاسد والسياسة الموروثة، ثم أمَّ الأمة السنغالية بهمته العالية وشدة العزم والحزم لمجباهة النظام وحامي النظام، ووعد الشعب بمشروع يخلف هذا النظام ويخرج الشعب من ظلمات الفقر إلى نور التطور، فالمهمة ليست بهينة فمواجهة حكومة ما ومعارضتها من أخطر الأمور في الحياة لا سيما إذا كانت الحكومة طاغية ومكَّارة، لكن إذا كانت النيات خالصة كل شيء تشبه هباء، ومن هناك بدأت المكائد تُحاك حوله بين تهم وتشويش وتعييب وغيرها، ولكن الشعب تمسك به وبآرائه تمسُّك الضرير بيد القائد، رغم تكالب المصائب والمشقات لم ييأس ولم يتراجع إلى جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يذرفون الدموع فرحا وتتعالى أصواتهم طربا.
تُستخلص من وقفة السيد عثمان سونكو هذه -والحق أحق أن يقال- بأنه لم يكن يجري وراء الكرسي الرئاسي ولا يهمه المصالح الشخصية بل الأهم عنده هو نجاح هذا المشروع وإمساكه سدة الحكم أيا كان قائده، ولو لا وقوفه ومساندته للرئيس “السيد جوماي في” لمّا تحقق ذلك بالفعل.
وفي النهاية لقد نزع الله ملكه من يد أولئك، وأقبل الفرح وأدبر الترح، ففي قوله ( قل اللهم ملك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزُّ من تشاء وتذل من تشاء… ) حكمة وتنيه ففي إتيان الملك دائما عز وفرح وفي نزعه ذل وترح، وليس الذل كما هو معهود التفسير، لكن بفقدان الصلاحيات والكلمة وغيرهما مما كان يتنعم به الملِك في الآونة السابقة فهذا نوع من الذل عنده، والسؤال المطروح هنا هو: ماذا ينتظر الشعب السنغالي عن الرئيس الجديد ومعاونيه ؟ سؤال وجيه وعميق وإجابته تحتاج إلى سطور وريقات وربما مجلدات، لكن نحاول الإجابة عنها قدر الإمكان منها:
١- محاولة تحقيق ذلك البرنامج المُبَرمج فبثقة الشعب بهم وبكلماتهم وببرنامجهم صوتوا لصالحهم…
٢- بذل كلما ما لديه من طاقة لتخفيض غلاء العيش والأجرة، وتحسين حالة الرعية وخاصة الشباب بتأسيس أماكن عمل لهم وارتفاع الرواتب لتستطيع سد حوائجهم.
٣- محاربة الفساد والرشوة والسرقة وتتبع من سرقوا أموال الشعب…
٤- تحقيق العدالة والمساواة بين أبناء الشعب السنغالي، لا فضل لأحد منهم على الآخر.
٥- بذل قدر الجهد والإمكان بأن لا يكون تلك المواعيد عرقوبية كوعود الساسة السالفة، فالشعب السنغالي يحب بسرعة لكن بعضه وتوليه أسرع بكثير، ولكم في إدريس سِك مثل يا أولي الألباب، وهذا رشف من بحر.
والسؤال الثاني هو: ماذا عمَّن مدُّوا للرئيس يد المساعدة حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم ؟ أقول لهم وبكل صدق إن الشعب السنغالي لم يصوت لهذا الرئيس لأجل تقاسم الكعك ولا ليتولّي كل من هبَّ ودبَّ؛ بل السبب الرئيسي وراء توليته هو ليعمل وليحسن وضع البلاد والعباد، من الجيد أن يفسحوا المجال للرئيس وليتركوه بحريته وأفكاره ليختار من يراه مناسبا لأي منصب كان، وأرجو أن يطبق المقولة القائلة: ( الرجل المُناسب في المكان المناسب ) بدون خوف غضب البعض ولا الملام، لأنه إذا أراد تنصيب جميع المعاونين ربما سينصب ثلثيِ الشعب، ولهذ أرى بأن من عاونوه إذا كانت المعاونة لأجل البلاد ولمصلحتها لقد أدوا الوجب وفعلوا ما كان عليهم فعله وما عليهم اليوم إلا مرافقته ومساعدته لا تنازع المناصب، أما إذا كانت لهم حاجة في نفس اليعقوب حينها سيقف الشعب صارمين أمامهم، وسيكون لهم بالمرصاد، وأدعو الله أن لا يكون الأمر كالرأي الثاني.
وأخيرا إن من أركان الإيمان أن يؤمن المرء بقدر ربه خيره وشره مره وحلوه، فالسيد بشير جوماي في حتى لو كان في جبال ملاريا سيكون رئيسا للدولة السنغالية لقد قدره الله منذ الأزل، من الواجب الآن لكافة الشعب معاونا كان أو معارضا هو الوقوف بجانبه والسير معه جنبا بجنب، فحِمل الرئيس ثقيل جدا جدا لا سيما إذا حمله فتى لم يبلغ الخمسين بعد ولم يمارس بعض الوظائف الحكومية من قبل، حقا إنه يحتاج إلى المساعدة سواء جهر بها أم لا، إذا كان السنغال هو همنا الوحيد وتطويره هو الغاية الوحيدة علينا التكاتف والترافق والتحابب لتحقيق هذا الحلم فتحقيقه ليس بمستحيل.
اللهم أبشر الشعب السنغالي بهذا البشير وانصره واعصمه من كيد الطغاة ومن شر حاسد إذا حسد.
عبد الأحد انياغ فاتك/ جخاو سِين، ليلة الثلاثاء ٢٠٢٤/٣/٢٦م، ١٥ رمضان ١٤٤٦ هـ