مقال : ( تصاعد التعليم المزدوج ” العربي – الفرنسي ، وأفول المدارس العربية الإسلامية الكلاسيكية الحرة ) مدينة لوغا أنموذجا.

0
1337

عرفت مدينة لوغا بالمدينة الحاضنة للتعليم العربي الإسلامي ، الحاملة للوائه ، المشتهرة بالعلم الشرعي الوثيق ، والعربي الأصيل .
تأسست في أرضها مؤسسات علمية عريقة ذاعت صيتها ،و تمخض من رحمها عباقرة متفنون في كل فن من الفنون الإسلامية ، واللغوية العربية.
أوقدو شعلة ضياء ، أنارت دوربا، واستهدى بها أجيال ، وتعاقب بها جيل بعد جيل إلى أن وصلت إلى هذا الجيل الذي أوشكت الشعلة أن تسقط من بين أيديهم ، إن لم تسقط .

لقد ظل التعليم الفرنسي وحده يسيطر على المدرسة السنغالية العمومية رضحا من الزمن ، وكانت المدرسة فرنسية محضة إلى أن أدرج التعليم اللغوي العربي فيها سنة 1962م . بيد أنها لم تكن وحدها تسيطر على الساحة التربوية السنغالية ؛ فقد كانت بجانبها محاظر ، ومدراس عربية إسلامية خالصة ، تؤدي مهامها كاملة ، وبكل حزم وعزم ، واحتراف .فيرسل الأولياء أبنائهم إليها ، بالرغم من علمهم أن هذا المنهج ، أعني ” العربي الإسلامي ” لا تخرج كبار الموظفين ، ولا الشخصيات السياسية والدبلوماسية، الذين يتقلدون المناصب العليا في الدولة . لكن غرضهم لم يكن يوما دنيويا فحسب ، حيث يجد الخرّيج على هذا المنهج وظيفة عموميّة يرتزق بها ، بل كانت همتهم بناء أجيال يرثون الأنبياء ، ويقومون بمهامهم الدعويّة ، ووظيفتهم الإصلاحيّة.

وفي عهد عبد الله واد الرئيس الثالث لجمهورية السنغال أدرج التعليم الديني في المدارس الابتدائية العمومية ، سنة 2002 بالتحديد.
وكان الهدف المنشود من ذلك رفع نسبة التمدرس الضئيلة الملحوظة في كثير من المناطق المحافظة، التي رفض سكانها بناء مدارس ابتدائية عمومية فرنسية في أرضهم، بله إرسال أبنائهم إليها، باعتبارها مدرسة علمانية كافرة.
وقد نجحت هذه الخطة إلى حد كبير، حيث إن كثيرا من المناطق الرافضة لوجود المدارس الفرنسية العمومية في أرضها ، قد تغيرت قناعتهم القديمة” المدرسة الفرنسية العمومية مدرسة علمانية كافرة، تحارب الإسلام ، وتسعى إلى فرنسة المواطن السنغالي المسلم”
ومن ثم أخذوا يرسلون أبنائهم إليها؛ لأن فيها تعليما دينيا إسلاميا ، يتولى أستاذ تدريسه ، وللأستاذ- كما نعلم – مكانة رفيعة فيهم ، يحظى بكامل الاعتبار والتقدير.

ولما أدرج التعليم المزدوج ” العربي – الفرنسي” هرولت المدارس التي كانت حرة تخضع لمنهج خاص لها ، كمدارس منار الهدى الإسلامية، ومدرسة آل بكر ، ومدرسة علي أبي طالب ، ومدرسة مام شيخ امبي….. إلى تبني هذا النظام الجديد في مرحلتها الابتدائية ، فأصبحت خاصة تخضع لنفس المنهج المتبع من قبل المدارس العمومية المزدوجة ، فصارت خاصة ، بدلا من أن تكون حرة .

نجمت من ذلك نتيجة عكسية كارثية ، يغيطها التناقض التام ؛ لأن المراحل الابتدائية في تلك المدارس أصبحت مزدوجة” فرنسية- عربية” بينما ظلت مرحلتا الاعدادية والثانوية عربية إسلامية كلاسيكية صرفة ، وإن كانت تعتريها بعض الحصص الفرنسية والإنجليزية التي لا تتجاوز ساعتين أسبوعيا ، لكل من تلك المادتين، ولكل فصل .
وذلك أدى إلى انقطاع الرابط المتين الذي كان يربط بين الابتدائية والاعدادية؛ لأن الابتدائية أصبحت مزدوجة” فرنسية- عربية” بينما ظلت مرحلتا الاعدادية والثانوية على حالهما عربية إسلامية كلاسيكية.

ولم يعد للأولياء إلا خيار واحد، الذين لا تزال لوعة الحب للتعليم العربي الإسلامي تشتعل في صدروهم- وهو إرسال أبنائهم إلى هذا النظام المزدوج. فأرسل بعضهم أبنائهم إلى تلك المدارس الابتدائية الخاصة المزدوجة، بينما قرر البعض إرسال أبنائهم إلى المدارس العمومية الابتدائية العمومية المزدوجة ؛ نظرا لكون المناهج نفسها، بالإضافة إلى أنها مجانية .

مرّ زمن ، وتخرّجت الدّفعات في تلك المدارس، وعلى هذا المنهج المزدوج، بعد الحصول على الشهادة الابتدائية العمومية المزدوجة. فقرّر الحاصلون على الشهادة الابتدائية العمومية المزدوجة هذه مواصلة تحصيلهم العلمي بالمنهج المزدوج هذا ، الذي تلّقوا تكوينهم الابتدائي به ، وكانوا عليه منذ أوّل يوم دخلوا المدرسة؛ لأنهم لا يعرفون منهجا غير هذا ، فالتحقوا بالمرحلة الإعدادية المتوسطة للمدارس العمومية المزدوجة المتوفرة بشكل مجاني بُغية مواصلة تكوينهم العلمي فيها .

ومن ثمّ حدثت فجوة كبيرة بنسبة للمدارس العربية الإسلامية اللّوغوية الخاصة ، وخاصة في مراحلها الاعدادية ؛ لأنّ رابط الوصل الذي كان يربط بين الابتدائية والاعدادية قد انقطع ، ولم تعد الابتدائية تزوّد تلاميذ للمرحلة الاعدادية، فباتت إعداديّتها منعزلة عن ابتدائيّتها .

انعزال أدّى إلى أن جلّ التّلاميذ ليسوا من مدينة لوغا، بل هم من القرى المجاورة للمدينة ، أو من المناطق النّائية التي أبهرتها مدينة لوغا بمدارسها العربية الإسلامية التي ذاع صيتها في كل أنحاء البلاد . حيث أصبحت الفصول خالية من سكان مدينة لوغا التي حيث المدارس هذه واقعة في أرضها .
وذلك إن دلّ على شيء ، فإنما يدّل على أنّ المدارس العربية الإسلامية اللوغوية الحرة مهددة بالانقراض من الوجود التربوي .

كيف تكون النتيجة،إذا حذرت المدارس العربية الإسلامية الكلاسيكية في القرى المجاورة وفي المناطق النائية، حذو المدارس العربية الإسلامية اللوغوية الحرة ، بتبني هذا النظام المزدوج ” الفرنسي- العربي” في ابتدئياتها ؟

تكون النتيجة زوال هذه المدارس العربية الإسلامية اللّوغوية الحرة من الوجود وإلى الأبد.

والحل ؟!
العودة إلى الأصل ، أي إلى النظام القديم ، فإقامة ابتدائية عربية إسلامية قوية ، مع إحداث إصلاحات جادّة فيها .
ابتدائية تمثّل الموّاد الدينيّة ، والعربية الأغلبية الساحقة ، مع تخصيص أربع ساعات للّغة الفرنسية ، وثلاث ساعات الرياضيات ، أسبوعيًا ، لكل فصل من الفصول .
وحينئذ يكون التلميذ قادرا على إجادة اللغة الفرنسية ، قراءة ، ونطقا، وكتابة . كما يجيد الحساب ، ولا يضر ذلك شيئا من مستواه العربي الإسلامي .

وعندئذ يعود الرابط الوصل بين الابتدائية والإعدادية قويا وطيدا ، ويكون التلميذ قادرا على مواصلة دراستها في المدرسة نفسها ، بمراحلها الثلاثة، في تناسق تام وتلاؤم- حتى التخرج الحصول الشهادة الثانوية العامة ، ثم التحاق بالجامعة سواء كانت محلية ، أم عالمية .

فالوضع إذا استمر على هذه الحال ؛ فإن المدارس العربية الإسلامية الكلاسيكية اللوغوية الحرة محكومة عليها بالزوال من الساحة التربوية السنغالية ؛ لأنها مستهدفة من قبل هذا النظام العلماني ، وهي منحرفة عن المسار الصحيح الذي لأجله أنشأت ، وغافلة عن أنها منافسة قوية للمدرسة العلمانية هذه ، وان وجودها تزعجها ، وأن هدفها الأسمى والمنشود من تأسيسها هو ان تبقى نبراسا للإسلام والمسلمين ساطعا ، يزوده بالوقود خريجوها ، دائما وإلى الأبد .

وأخيرا :
آن الاوان أن يعود أصحاب المدارس العربية الإسلامية الكلاسيكية اللوغوية الحرة إلى رشدهم ، وان يدركوا جيدا أن لهم دورا فعالا ، وكبيرا في هذا المجتمع السنغالي المسلم ، وأن مهاما تقع على عاتقهم ، لن يقوم بها أحد غيرهم .
فإذا تخلوا ميدانهم ، وتركوا دورهم إلى أدوار الآخرين ، حتى ولو حققوا فيها نجاحات كبيرة ، فإنها تعد إخفاقا كبيرا ، وفشلا ذريعا ، يخلف وراءه فراغا كبيرا ، يكون وصمة عار على جبينهم .
فالمجتمع السنغالي المسلم بحاجة إلى العلماء الفقهاء ، والمفسرين ، والمحدثين ، والأصوليين ، والأدباء ….. بقدر حاجتها إلى الأطباء والمهندسين …
فالمعلوماتي أو المنهدس ليس أكبر قيمة من الفقيه في المجتمع المسلم .