مقال : هل أتاك حديث طوبى .

0
1094

بقلم الدكتور رضوان غنيمي ..أستاذ التعليم العالي بالكلية المتعددة التخصصات بالسمارة

قادني شغف البحث العلمي وفضول الانفتاح على دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى المشاركة في ندوة علمية دولية مَثّلَث تجربة جديدة –بالنسبة لي-بدولة السنغال، وهو بلد شقيق له موقع ومكانة في قلوب المغاربة على المستوى الرسمي والشعبي لكثرة القواسم المشتركة الجامعة بيننا، ثم من حيث لم يتم التخطيط ولا التنظيم صادف هذا النشاط العلمي مناسبة كبيرة جدا، تعتبر أبرز حدث تعرفه البلاد، ولست مبالغا إذا قلت بأنها أكبر تجمع روحي يمكن أن تعرفه مدينة من المدن، بمناسبة إحياء الذكرى السنوية للطريقة المريدية “مغال “( التعظيم أو الشكر) بمدينة طوبى السنغالية، وهي مدينة تقع وسط السنغال شرق دكار وهي أكبر مدن السنغال بعد العاصمة، وقد عرفت هذه المدينة الروحية انتفاضة كبيرة على مستوى عدد سكانها وكذا على مستوى مكانتها الدينية والروحية والسياسية مما أثر فيها إيجابا على المستوى التجاري والاقتصادي بحيث أصبحت عاصمة اقتصادية وتجارية وروحية للسنغال، وهذه المدينة أسسها الشيخ أحمد بن محمد بن حبيب الله سنة 1888 وهو المعروف “بأحمد بمبَا امباكي” “خديم الرسول” كما يسمى ب “سيرين طوبى” أي شيخ طوبى الرجل الذي أراد أن يفر بدينه واعتزال واقع رآه قد تمّ تدنيسه بتبعات الاستعمار الفرنسي، فاجتمع حوله من الناس ما كان كافيا ليقلق فرنسا التي قررت نفيه إلى الغابون في سيتمبر 1895 ثم إلى موريتانيا في 1903 لتتأكد سنة الله عز وجل في الكون مرة أخرى وأنه لا يحيق المكر السيء إلا بأهله حيث تضاعفت جماهير أتباعه وازداد الشيخ إيمانا واقتناعا بما هو بصدده فازداد عزما وإصرارا على الرقي بهمم أهله وأتباعه ومريديه، بل كان هو أول المستفيدين من هذه النقمة التي طرقته حتى إنه وجد الخلاص فيها، واعتبر نفسه منذ تلك اللحظة التي أُخرج فيها من بلده وأهله أنه في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان آخر آثار هذا النفي نحو سنة 1922أمر أتباعه ومريديه إظهار الشكر لله تعالى على ما من عليه به من نعم في طيات نقمة النفي فأصبح يوم 18 صفر من كل عام – وهو يوم بداية الآلام) يوم احتفال لهذه الطريقة؛ وذلك بتلاوة القرآن وذكر الله تبارك وتعالى بأنواعه، وقراءة الأمداح النبوية، والصدقة وإطعام الطعام، وصلة الرحم، وزيارة الصالحين .

الدكتور رضوان مع الوفد الموريتاني عند محضر الخليفة العام للطريقة المريدية سرين محمد المنتقى امباكي.
تجمع أكثر من 4 ملايين أشخاص في المدينة المحروسة طوبى لاحتفال الذكرى الغيبة البحرية لخادم الرسول الشيخ أحمد بامب امباكي.

إن مما أثار استغرابي وأثار انتباهي وأنا في قلب الحدث بمغال طوبى أن أرى ذلك الحضور الغريب لوفود من دول يفترض فيها أنها كانت الجلاّد يوما وهي تتقاطر على دار الشيخ الخديم تقدّم بين أيديها الهدايا وتعبر عن معاني الأخوة والمحبة اللتان تجمعهم بالمريدية وبالخلافة العامة، وأغرب من ذلك أن ترى ما تُقابل به هذه الوفود من الحفاوة الكبيرة والترحيب والتعظيم والإكرام، مما يجعل عمود سنام هذه الطريقة العفو والدعوة إلى إشاعة فكر التسامح، وضرورة التعايش، كما صرّح بذلك الشيخ الخديم في إحدى رسائله التي تعتبر خارطة طريق لأتباعه ومريديه اليوم في إطار تعاملهم مع الآخر حيث يقول: “لِيَعْلَمْ كلُّ مَن وَقَفَ عَلى هذا الرَّسْمِ أنَّ كاتبَ هذه الورقة عَفَا عَن كلِّ مَن ظَلَمَهُ ،وأنَّه لَايَدْعُو عَلى ظَالِمٍ ،وأنَّه يَسْتَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ ،وَأَنَّهُ يُحبُّ لكُلِّ مُؤْمِنٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ، مَايُحِبُّ لِمَنْ تَعَلَّقُوا بِهِ…”.

مغال طوبى في السنغال ليس مجرد يوم احتفالي لطريقة من الطرق الصوفية المنتشرة في البلاد، بل هو أكثر من ذلك مناسبة وطنية سنوية ثابتة، حتى إنك لا تجوب شارعا في مدينة من مدن السنغال دون أن تقع عينك على إعلان أو لافتة إشهارية تبارك مناسبة مغال بما في ذلك الطريق السيار، ومما يزيد هذه المناسبة بهاء احتضانها فعاليات علمية ذات الصلة بالمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني، حيث يتقاطر على مدينة طوبى من السنغال وغيرها الملايين من الزوار بأضعاف عدد سكانها قد يصل إلى أربع مرات، كما كان الحال هذا العام حيث بلغ عدد زوار المدينة أربعة ملايين شخص .

نقلا عن جريدة المنبر المغربية