بقلم: محمد جانج،
طالب في مرحلة الماجستير،
قسم اللغة العربية،
جامعة شيخ أنت جوب، داكار
ثبت في التاريخ أن هناك من البشر من باعوا أرواحهم لإبليس، حتى ساقهم إلى ادّعاء الألوهية. كما انزلق آخرون عن طريق إمامهم أو شيخهم، بسبب الجهل وسوء الفهم، غائصين في بحور الظلمة، مكبّلين، يجاهدون في التيه ليلَ نهار، حتى بلغوا مرحلة ادّعوا فيها الألوهية لذلك الإمام!
وفي التاريخ، يُعدّ رمسيس الثاني، المكنى بفرعون والمنتمي إلى الأسرة التاسعة عشرة، أول من دفعه الشيطان إلى ادّعاء الألوهية علنًا. فقد حكم مصر نحو 66 عامًا، واشتهر بالغطرسة واستعباد الناس وسفك الدماء والظلم، بسبب غروره وتجبّره. كان طاغية متسلّطًا على قومه، يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم. بنى المعابد الضخمة والتماثيل الكبيرة، حتى وصل به الكِبْر أن ادّعى أنه إله، لما بلغه من سلطان وثروات عظيمة.
لكن الله عز وجل أهلكه على يد نبيّه موسى عليه السلام، فأغرقه، وحفظ جسده ليكون عبرة لمن بعده. وقد قال حين أدركه الغرق نادمًا: “آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل”. غير أن الإيمان لا يُقبل عند الغرغرة. وهكذا كانت عاقبة الطغيان الهلاك، فمهما بلغت قوة الظالم، فالله أقوى، وهذه عبرة، فهل اعتبرنا؟
أما نمرود بن كوش بن كنعان، فكان ثاني من وسوس له الشيطان، فسكن قلبه وغرس فيه سمّ الكفر، حتى ادّعى أنه يحيي ويميت. كان ملكًا لبابل بعد الطوفان، ووردت قصته في سورة البقرة، في مناظرته مع إبراهيم عليه السلام، إذ قال له النبي: “ربي الذي يحيي ويميت”. فردّ نمرود: “أنا أحيي وأميت”، أي يعفو عن سجين ويقتل آخر. فرد عليه إبراهيم: “فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب”، فبُهت الذي كفر.
لقد بلغ به الكِبْر أن شرع في بناء برجٍ ليصعد به إلى السماء لمحاربة الله! فجعل الله هلاكه على يد أضعف خلقه، إذ دخلت بعوضة إلى أنفه أو أذنه، وظلت تضرب دماغه، ولم يكن يهدأ إلا إذا ضُرب رأسه، حتى هلك. فبكلمة تحدى بها الله، هلك بضعف خلقه! وهنا أيضًا عبرة لمن يعتبر.
أما ثالث من ادّعى الألوهية لإمامهم، فهم السبئية، فرقة غالية ظهرت في بدايات الإسلام، وتنسب إلى عبد الله بن سبأ، وهو يهودي يمني الأصل، ادّعى الإسلام في خلافة عثمان رضي الله عنه، وبدأ يبث أفكارًا منحرفة، منها أن عليًا رضي الله عنه لم يمت، وأنه سيعود، وأن فيه جزءًا من الألوهية. حتى إن بعض أتباعه قال له: “أنتَ أنت”، أي: أنت الله. فلما علم عليٌّ بذلك، أحرقهم وقال: “لما رأيتُ الأمرَ أمرًا منكرًا، أجّجتُ ناري ودعوتُ قنبرًا”. فهذه أيضًا عبرة لمن يُؤلّه الأئمة، فهل اعتبرنا؟
رابعًا: الدروز، وهم طائفة باطنية ظهرت في العصر الفاطمي، يؤمنون بتجسد الإله في الخليفة الحاكم بأمر الله، وينكرون أركان الإسلام الظاهرة كالصلاة والصيام، ويعتقدون بتناسخ الأرواح. دينهم سري، يقوم على كتب خاصة تُسمى “رسائل الحكمة”، ولا يعترفون إلا بدعوتهم، وقد أجمع علماء المسلمين على خروجهم من الإسلام.
خامسًا: القرامطة، وهم فرقة باطنية ظهرت في القرن الثالث الهجري، أنكروا أركان الإسلام وحرّفوا معانيه، وسعوا لإسقاط الدولة العباسية. ارتكبوا مجازر بشعة، أشهرها مجزرة مكة عام 317ه. حيث قتلوا الحجاج وسرقوا الحجر الأسود. كانت عقائدهم غالية وباطنية، وقد وصفهم العلماء بالزنادقة والخارجين عن الإسلام.
سادسًا: البابية والبهائية، ظهرت البابية في إيران في القرن التاسع عشر على يد علي محمد الشيرازي الذي ادّعى النبوة، ثم خرجت منها البهائية على يد بهاء الله الذي زعم أنه رسول جديد. تنكر البهائية ختم النبوة، وتحرف أحكام الإسلام، وتدعو لوحدة الأديان، وقد أجمعت الأمة الإسلامية على كفرهم وخروجهم عن الإسلام.
سابعًا: كريشنا وراما، وهما من أعلام الهندوسية، يُعتبران تجسيدين للإله “فيشنو” ويُعبدان كآلهة. كريشنا يرمز للمحبة، وراما للفضيلة والعدل. أما في الإسلام، فالإيمان بألوهيتهما شرك بالله، لأن الله لا يتجسّد في بشر، وهو واحدٌ أحد، لا شريك له.
كل هذه القصص تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن من يجحد الحق أو يدعو إلى غير الله، فإن عاقبته الهلاك، مهما بلغ سلطانه أو ملكه.
وفي هذا السياق، انتشرت اليوم فيديوهات لمجموعة ممن يدّعون أنهم من أتباع الشيخ الخديم، يزعمون فيها أنه إله! وهذا لا يمكن تفسيره إلا بالجهل والانزلاق عن جوهر الطريقة المريدية.
فالشيخ الخديم، رحمه الله، جاهد في سبيل الله بعلمه وماله ونفسه، وأثبت في كتاباته أن الله واحدٌ لا شريك له، وآثر خدمة النبي محمد صلى عليه الله على كل شيء، حتى كاد أن يفقد حياته في سبيل ذلك. حل هذه المسألة تقع مسؤوليتها على الخليفة العام للطريقة المريدية ليقوم بتأديب هؤلاء الجهلة ؛ لأن المسألة تمسّ بمقام الطريقة المريدة ، وتفتح الباب أمام أعداء التصوف للطعن فيه وتشويه حقيقته، مدّعين أنه مجرد خرافة.
وباختصار، فإن الشيخ أحمد بمب لم يدع الألوهية يوما، فطريقه واضح لا غبار عليه، وكل من أطلق هذه الادعاءات أو نسبها إليه، فقد شككنا في إسلامه.