مقال : وَهْمُ الشُّهْرَة، سرابٌ يَخْطِف القلوب قبل العقول.

0

وَهْمُ الشُّهْرَة، سرابٌ يَخْطِف القلوب قبل العقول.

في زمن اختلطت فيه القيم، وأصبح المظهر يشهد على الجوهر، نَشهد انزياحًا خطيرًا نحو بريق الشهرة، يعدّه بعضهم نجاحًا باهرًا، وهو في حقيقته ليس إلا نجاحًا وهميًا خادعًا
لم تَعُد الشهرة نتيجةَ إنجازٍ أو ثمرةَ كفاح، بل تحوّلت إلى غايةٍ قائمة بذاتها، يسعى إليها الكثيرون ولو على حساب الكرامة، أو العقل، أو حتى الحياة.
صرنا نرى من يُسخّر وقته، وطاقته، بل وشخصيّته بالكامل، لإرضاء جمهورٍ عابر، لا يعرف عنه شيئًا، سوى رقمٍ في خانة المتابعين.
المنصات الاجتماعية التي كان يُرتجى منها إصلاح اعوجاج المجتمع، وتوجيهه نحو ما يغرس الوعي ويُنمّي الضمير، أسيء استعمالها حتى غدت مسرحًا للتصنّع والتمثيل، واستعراضات جوفاء تخلو من أي درس أو عبرة.
كثير من الشباب، بدلًا من أن يُنمّي فكره، أو يبني مهاراته، أو يُعدّ نفسه لمستقبلٍ يليق به، يقضي ليله في مطاردة الإعجابات، ويستيقظ على هوسِ عدد المشاهدات.
والأدهى من ذلك أن بعضهم صار يعتقد أن قيمته الحقيقية تُقاس بمدى انتشاره، لا بما يحمله من علم أو خُلُق أو مبادئ.
والشهرة في ظاهرها بريقٌ يخطف الأبصار، غير أنّ حقيقتها عبءٌ ثقيل، لا يطيقه إلا من وازن بين صورته في أعين الناس وصورته في مرآة نفسه. فكم من مشهورٍ يتوشّح ثوب السعادة أمام الملأ، وهو في باطنه غارق في الحيرة والقلق والفراغ! وكم من مستورٍ في ظلّ ستر الله، يعيش مطمئنّ النفس، مُنتجًا نافعًا لأهله ومجتمعه.
إن خطورة الأمر لا تكمن فقط في الأفراد، بل في المستقبل بأكمله. فجيلٌ يرى في الشهرة هدفًا، هو جيلٌ معرّض لأن يفقد جوهر القيادة، وروح الإبداع، وقيمة العمل الجاد. جيلٌ قد يضحّي بعلمه، ووقته، وأخلاقه، ليحصد تصفيقًا مؤقّتًا من جمهور لا يُدرك حتى اسمه الحقيقي.
إن استمرار هذا السلوك سيؤدي إلى نشوء جيل يفتقر إلى الوعي، ويغيب عنه الإتقان، وتنعدم فيه روح المسؤولية. جيلٌ قد يعجز عن قيادة مجتمعه نحو التقدم، لأنه انشغل بما لا يُثمر، وأعرض عن بناء الذات وتحصيل المعرفة الحقيقية. إذا لم نتدارك هذا الأمر، فإن المستقبل يخبئ لنا مجتمعات يتراجع فيها العلم، وتخبو فيها العقول، وتنهار فيها القيم.
علينا أن نُعيد تعريف النجاح، وأن نُعلّم أبناءنا أن قيمتهم لا تُقاس بعدد المتابعين، بل بمدى أثرهم في حياة من حولهم، وبما يقدّمونه من خير، ولو في الخفاء.

مصطفى امباكي بنت ✍️

Leave A Reply