حتى لا يبلغ السيل الزبى

0

    بقلم / د. شعيب كيبي

    في ظلّ المؤشّرات المتزايدة التي تُظهر إلى العلن بوادر خلافٍ بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، يصبح من الواجب الوطني السعي الجادّ إلى إصلاح ذات البين وتغليب المصلحة العليا للوطن على أيّ مصالح شخصية أو حزبية ضيّقة.
    فالبلاد تمرّ بمرحلة دقيقة تتّسم بتحدياتٍ اقتصادية خانقة، في ظلّ ما يُثار من اتهاماتٍ متبادلة بين الموالاة والمعارضة بشأن ما يُعرف بـ أزمة الديون والتقارير المالية المخفيّة، وما نتج عن ذلك من مناخٍ عام يسوده القلق والتوتر وتراجعٍ ملحوظ في مؤشرات الثقة لدى الشركاء والدائنين الدوليين. وقد أدّى هذا الوضع إلى تخفيض التصنيف الائتماني العام للسنغال، وانعكس أثره المباشر على عجز الموازنة العامة وتباطؤ الحركة الاقتصادية.
    وإلى جانب هذه الأزمة المالية، تشهد البلاد تفاقماً في الأوضاع المعيشية، تمسّ حياة المواطن اليومية من خلال ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية وزيادة معدلات البطالة خاصة لدى الشركات الناشئة والعاملة في مجال البناء والخدمات، مما عمّق الإحساس العام بالضيق وعدم اليقين حيال المستقبل.
    كما تشهد المنطقة المحيطة، وخصوصاً الوضع الأمني في مالي ودول الساحل، توتّرات متصاعدة تُنذر بانعكاسات خطيرة على الاستقرار الوطني والأمن الإقليمي. وفي مثل هذه الأجواء الحسّاسة، فإننا نعتبر الخلاف السياسي ترفاً لا تحتمله المرحلة. فالبلاد بحاجة إلى تماسك داخلي ووحدة في القرار، لا إلى خصومات تزيد المشهد تعقيداً. فالوطن لا يحتمل انقسامات سياسية أو صراعات سلطوية تضعف مؤسساته وتشتّت جهوده التنموية.
    إنّ المسؤولية التاريخية تقتضي من جميع الأطراف التحلّي بالحكمة، والاحتكام إلى روح الحوار، وتقديم نموذج في القيادة الرشيدة التي تضع المواطن فوق كل اعتبار. فالمصلحة العامة اليوم هي الوفاق الوطني، لا الخصومة، والاستقرار السياسي، لا التجاذب، لأنّ بناء الدولة وحماية الوطن لا يتحقّقان إلاّ بتضافر الجهود ووحدة الصفّ، فلا يمكن لمشروع تنموي أو إصلاحي أن ينجح في مناخ من الانقسام والتجاذب.
    وقبل أن تتفاقم الأوضاع وتبلغ حدّاً يصعب تداركه، فإنّ الواجب الوطني والأخلاقي يفرض على الحكماء وأهل الرأي في المجتمع المدني، وعلى القادة الدينيين والوجهاء الاجتماعيين، أن يتحمّلوا مسؤولياتهم التاريخية. فهم بما أوتوا من مكانة روحية واجتماعية، وبما يحظون به من ثقة الجماهير، مطالبون بأن يبادروا إلى إطلاق مبادرات إيجابية تهدف إلى التهدئة وجمع الكلمة وتغليب المصلحة العليا للوطن.
    إنّ إصلاح ذات البين في هذا الظرف الحساس ليس خياراً سياسياً فحسب، بل هو واجب ديني وأخلاقي تمليه القيم الإسلامية التي تدعو إلى الوحدة ونبذ الفرقة، وإلى السلم الاجتماعي الذي يُعدّ شرطاً أساسياً لتحقيق التنمية والاستقرار. قال تعالى : ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون .

    مواطن سنغالي من طوبى

    Leave A Reply