التصوف بين النشأة والخلاف: من جذوره التاريخية إلى حضوره في السنغال وتحديات الأم

0

التصوف بين النشأة والخلاف: من جذوره التاريخية إلى حضوره في السنغال وتحديات الأمة

اختلف العلماء والباحثون في نشأة التصوف، ولعلّ جلّهم اتفقوا على أن أصوله ترجع إلى القرن الثاني الهجري كحركة تدعو إلى الزهد والورع الفردي، رغم أن هناك من يرى أن فكرة التصوف نشأت قبل ذلك بكثير، إلا أن نشأته كحركة منظمة تعود إلى القرن الثاني الهجري، حيث ظهر عندئذ ثلة من العباد والزهاد. ومن أبرز الشخصيات في بدايات التصوف الحسن البصري، الذي ولد سنة 21هـ في عهد عمر بن الخطاب بالمدينة ثم نشأ في البصرة، وكان من كبار التابعين، وقد لقي كثيرًا من العلماء مثل ابن عباس وأنس بن مالك. كان الحسن البصري إمامًا في الزهد والورع وخطيبًا بليغًا حتى قيل إن كلامه يشبه كلام الأنبياء، ومن أقواله المشهورة: “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك”. ويُعتبر الحسن البصري المؤسس الروحي لتيار الزهد في البصرة، وقد انخرط في سلكه عدد كبير من الصوفية بعده.

أما الشخصية الثانية فهي رابعة العدوية، أو رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية، التي نشأت في أسرة فقيرة وكانت يتيمة وبيعت جارية في صغرها، ثم أُعتقت بسبب صلاحها. عاشت رابعة حياتها عابدة زاهدة، ولم تتزوج قط، وكانت ترى أن عبادة الله تكون بالحب الخالص لا بالخوف من النار ولا بالطمع في الجنة، وقد قالت: “اللهم إن كنت أعبدك خوفًا من نارك فاحرقني بها، وإن كنت أعبدك طمعًا في جنتك فاحرمني منها، وإن كنت أعبدك حبًا لك فلا تحرمني من رؤيتك.” ولُقبت رابعة بـ”أم الخير” و”سيدة العارفين”، وتُعتبر رمزًا للتصوف الروحي النقي. ويأتي ذكر هذين الرمزين لتأكيد أن التصوف أصله مبني على الزهد والورع، وأنه جزء مشروع ومحبوب في الدين الإسلامي.

وقد حدث الاختلاف بين المتصوفين وغيرهم نتيجة استعمال بعض المتصوفين لمصطلحات جديدة مثل الفناء والبقاء والمعرفة والكشف، وكانت هذه المصطلحات غريبة على الفقهاء والمحدثين، ومن أوائل العلماء الذين انتقدوا بعض المتصوفين الحارث المحاسبي الذي ناقش الإمام أحمد بسبب دخوله في علم الكلام مع التصوف. واشتد الخلاف في القرن الرابع الهجري مع ظهور شطحات بعض المتصوفة مثل الحلاج وعبارته الشهيرة “أنا الحق”، والتي أدت إلى تكفيره من قبل الفقهاء. وتوسع الخلاف في القرنين الخامس والسادس الهجري مع انتشار الطرق الصوفية، ولكن بعض العلماء مثل الإمام الغزالي عملوا على تقارب الفقه والتصوف وأوضحوا أن التصوف الحقيقي لا يخرج عن نطاق تزكية النفس. ومع ذلك، أدخلت بعض الطرق ممارسات لا أصل لها في الشرع، مثل التوسل المبالغ فيه بالأولياء والرقص، فعاد الخلاف ليشتد من جديد. وفي القرون السابع إلى العاشر، اتخذ علماء مثل ابن تيمية موقفًا وسطًا، حيث مدحوا التصوف الشرعي المبني على الزهد والذكر، وهاجموا الغلو والبدع مثل وحدة الوجود وعبادة القبور، وكان الخلاف واضحًا في الشام ومصر والعراق.

أما في السنغال، فهي واحدة من أبرز الدول التصوفية في إفريقيا، ويعد التصوف جزءًا من الهوية الدينية والثقافية لسكانها، حيث ينتمي أكثر من 90٪ من المسلمين إلى الطرق الصوفية، ولذلك تُسمى أحيانًا “أرض الطرق الصوفية”. وتنتشر فيها الطرق التيجانية والمريدية بشكل واسع، حيث تركز التجانية على الذكر الجماعي وورد التيجاني، بينما تركز المريدية على العمل والزهد والطاعة للشيوخ، ويجمع التصوف في السنغال بين العبادة الروحية والحياة الاجتماعية والسياسية. وتختلف هذه الطرق عن جماعة عبادة الرحمن والوهابية، حيث يرى بعض العلماء أن الاحتفال ببعض المناسبات مثل المولد النبوي بدعة، بينما يراها آخرون مشروعة، لكن المهم هنا هو التركيز على وصف الظاهرة وتأثير الانقسام على الأمة الإسلامية.

فمنذ ظهور الإسلام، واجه المسلمون أعداء خارجيين حاولوا إضعاف الدولة الإسلامية أو محاربة المسلمين، بدءًا من المشركين في مكة، مرورًا بالروم والفرس، وصولًا إلى الحملات الصليبية في القرون الوسطى، وما زال أعداء الإسلام اليوم يحاولون تشويه الدين وإضعافه عبر نشر أفكار مغلوطة تشمل بعض الكتب والأفلام أو المدارس الفكرية التي تنتقد الإسلام بطريقة غير عادلة. وقد أصبح أعداء الإسلام يمتلكون القوة السياسية والاجتماعية والعسكرية، بما في ذلك المراكز الصحية والتعليمية التي يديرونها، في حين يُنفق المسلمون طاقتهم على الخلافات المذهبية والطائفية، ناسين أن العدو يترقب ويستفيد من هذا الانقسام. وفلسطين أكبر مثال على ذلك، حيث تحالف الأعداء فيما بينهم لمحاربة أبناء فلسطين وشعائرها المقدسة، بينما المسلمون عاجزون عن منع هذا الظلم بسبب انشغالهم بالصراعات الداخلية، ولو كانوا واعين لما يحدث لرجعوا إلى الأصول واعتصموا بحبل الله، واستعدوا قدر استطاعتهم لمواجهة التحدي الخارجي.

ولا يعني ذلك أن المسلم يجب أن يتخلى عن مسائل الدين، بل ينبغي صيانتها مع التركيز على الوحدة والتلاحم والوعي بالعدو الخارجي، والعمل على تقوية الأمة بما يستطيع من قوة والاستعداد لمواجهة التحديات، حتى لا تبقى الأمة في
موقف ضعف وهشاشة نتيجة الخلاف الداخلي والتشتت.

محمد جانج طالب بجامعة شيخ أن جوب بدكار# تخصص الحضارة.

Leave A Reply