بدأت علاقات فرنسا بغرب إفريقيا في القرن السابع عشر 1697 بتأسيس شركة السنغال الملكية لهدف الاتجار بالرقّ. غير أن التوسع نحو الداخل لم يبدأ إلا في القرن التاسع عشر. بعد هزيمتها سنة 1870م أمام الألمان وفقدان الألزاس واللورين، فوجهت اهتمامها نحو بناء مستعمرات إفريقية، لتعويض خسائرها الفادحة، فحوّلت السنغال من محطة تجارية إلى مستعمرة فرنسية، تدور في فلكها السياسي.

عُين الجنرال لويس فيدرب، عام 1854م حاكما على السنغال لتعزيز السيطرة الفرنسية، فاستخدم القوة العسكرية، وفتح الطريق إلى حوض النيجر، ولم يكن توغّله إلى الداخل سهلة، فقد وجد أمامه حركات مقاومة وطنية وإسلامية بقياة زعماء إسلاميون مثل الحاج عمر الفوتي وابنه أحمد سيكو والشيخ محمد لامين درامي، والزعيم ساموري توري وغيرهم..
وكان هذا التوسع الفرنسي، بداية الصراع بين فرنسا والحركات الوطنية والإسلامية التي كرّست جهودها للحفاظ على الثقافة الوطنية والهوية الاسلامية .
عندما بسطت فرنسا هيمنتها على حركات المقاومة الاسلامية، اكتشفت أن اللغة العربية هي نبض حياة شعوب المنطقة، وهي لغة دينهم ( الاسلام) وثقافتهم وإدارتهم. ومن هنا أصدر حاكم فرنسا (ويليام بونتي) يوم 8 مايو 1911 مرسوما موجّها إلى حكام المستعمرات( النيجر السنغال ومالي) عبّر فيه، بكلّ وقاحة وغطرسة، عن قلقه من تأثير اللغة العربية، ثم شرع في استئصال اللغة العربية والثقافة الإسلامية لتثبيت الهيمنة الثقافية الفرنسية
منع استيراد الكتب العربية وحظر حملها مع الحجاج، وتشديد الرقابة عليها. فرض قيودا على بناء المساجد وحصرها في أفراد موثوقين من الاستعمار. منع استخدام اللغة العربية في المرافق الإدارية والاجتماعية، وتقليص حصصها في التعليم حتى إزالتها تماما. فرض شروطا صارمة لافتتاح المدارس الإسلامية، مثل اجتياز امتحانات خاصة والحصول على تراخيص غالبا ما تٌرفض. ذبحوا شيوخا في كتاتيبهم أمام طلابهم. أحرقوا كتاتيب وشرّدوا علماء كبار في الشريعة الاسلامية
رغم القمع والمنع والتضييق الذي عرفته كثير من الدول الإسلامية خلال فترات الاستعمار-كما في بلاد المغرب العربي وتركيا، وفي أرجاء الاتحاد السوفيتي السابق، وحتى في البوسنة والهرسك وألبانيا وغيرها- ظل الإسلام شعلة لا تنطفئ في قلوب الشعوب المؤمنة. وفي السنغال، تألقت هذه الشعلة أكثر، حيث صمدت الثقافة الإسلامية واللغة العربية كجزء أصيل من الهوية الوطنية، بل كنبض حيّ لا يموت، فاليوم 95% من الشعب السنغالي مسلمون وللحركات الاسلامية والطرق الصوفية، حيوية في كل ربوعها.
اليوم – في أحياء السنغال- تجد عشرات مدارس عربية وكتاتيب قرآنية، تعجُّ بأصوات التلاوة وترتفع فيها كلمات الذكر، ومن بين جدرانها يخرج كل عام مئات الحفظة، يحملون في صدورهم كتاب الله كأغلى زاد، ليضيئوا طريق الأمة بأمل متجدد

إن سعي الاستعمار إلى طمس الدين والثقافة الاسلامية وإقصائه عن حياة الشعوب المسملة، لم تفلح قط… بل على العكس تماما، وغالبا ما كانت هذه المحاولات سببا في ازدياد التمسك بالإسلام، والإصرار على اتباع تعاليمه بعمق أكبر.
فما دامت الروح تنبض، فإن الإسلام لن يُمحى من حياة المؤمنين، بل سيظل منارة تقودهم مهما اشتدت الرياح العاتية….
سلام الله عليكم يا أجدادنا البواسل .
بقلم / جبريل عائشة لي (السّماوي)