مقال : مدينة طوبى وموسم «مغال» آراء وتطلعات .

0

كتب / سرنج امباكى شام


تقع مدينة طوبى في وسط السنغال على بعد حوالي ٢٠٠ كيلومتر من العاصمة داكار. أسسها الشيخ أحمد بامبا عام ١٨٨٨هـ. كانت القرية آنذاك في بيئة معادية وفي غابة كثيفة وفي بقاع جافة لا زرع ولا ماء. لم يكن هدفه اتباع خطى أسلافه أو السعي وراء المراعي أو الأراضي الزراعية، وإنما هدفه الوحيد كان عبادة ربه.
وعلى الرغم من الفترة الوجيزة التي عاشها هناك، فقد نجح في تجربة نمط مبتكر لتعليم وتدريب نخبة من أصحاب الهمم الذين سيكونون في الجبهة في جهاده الأكبر. وهم حاملو اللواء أثناء الغيبة البحرية والبرية.
وقد قام خلفاء الشيخ كلهم بتعميرها وتحديثها مع احترام استقلالية البقاع وخصوصياتها. فأصبحت مدينة طوبى مركزًا للدبلوماسية. وهذه هي الطريقة التي يتم بها تنظيم الاجتماعات والندوات والمنتديات الدولية لنشر تعاليمه وتوجهاته نحو هذه البقعة.
وهكذا أسسها بدقة، ووفقا لنموذج خاص به؛ حيث أراد أن تكون مسكنًا للعلم، ولعبادة ربه، ولكسب الحلال لمنفعة السكان، كما أشار إلى ذلك في قصيدته “مطلب الفوزين”.
وهذه هي خطته الرئيسية التي تدعم تأسيس مشروع المدينة. إنها ذات جوهر روحي حتى لو أدى النمو السريع إلى نوع معين من التمدن، لذلك يستحق فتح مجالات للتفكير لإجراء إصلاحات وتعديلات لازمة؛ لأن أساليب الإدارة الحضرية بحاجة إلى إعادة النظر مع ضمان الأصالة ومتطلبات العصر، فجميع المهارات في هذا المجال متوفرة لدى المجتمع المريدي!
والمهم هو حشد جميع الخبرات حول الأنشطة التنموية لمدينة طوبى المقدسة بمناسبة مكال. وفي هذا السياق، ينبغي على المنظمات محاولة مواجهة التحديات التنظيمية للحدث، من خلال إشراك أكبر قدر ممكن من الخبرات. ومن المؤكد أن الاجتماعات حول الموضوعات الاقتصادية والثقافية تساهم في تعزيز الديناميكيات الاقتصادية والثقافية للمريدية.
طوبى مدينة مفتوحة على العالم
إن فتح قنوات الاتصال الثقافية والدينية مهم، لكن جانب الدبلوماسية الاقتصادية هو الأكثر أهمية لإقامة شبكة من الشراكات؛ إذ التعاون يتطلب التفاهم.
تحت قيادة الخليفة الحالي الشيخ محمد المنتقى امباكى- وهو غيور على الحفاظ على التراث الخديمي الذي يرجع إليه دائما- أثارت المدينة اهتمامًا أكبر بكثير؛ لأنه يتمتع بشخصية مرحة و منفتحة. لذا فإن مشاركة السلك الدبلوماسي للدول المستهدفة ستكون فرصة عظيمة؛ حيث يتطلب العالم المعاصر الانفتاح على الآخرين ليكونوا حاضرين في موعد الأخذ والعطاء.
وتعامل المجتمع المريدي مع الدبلوماسية ليس بحديث العهد. التاريخ حدثنا بأنه قامت وفود مكونة من زعماء القبائل من الحجاز لزيارة الشيخ الخديم في جوربيل، ولطلب الدعاء من أجل السلام والاستقرار في أراضيهم التي كانت تدور فيها حروب رهيبة وفتاكة. كما حدثت تبادلات مفيدة على مستوى الإمبراطورية العثمانية آنذاك من الناحية الثقافة والهندسة المعمارية. ولكن الاهتمام الأكثر وضوحا تحت قيادة الشيخ محمد المنتقى، كما أشار الدكتور شام بوسو عبد الرحمن في كتاباته مؤخرًا في تكثيف الدبلوماسية على مستوى الخلافة العامة. إنه حقًا قضية تجذب كل هذه الجمهور لإقامة علاقات الصداقة والأخوة مع صاحب الفضيلة الشيخ محمد المنتقى. فسوف يمكن أن يجنى كثير من الأرباح إذا تم الانفتاح على المطالب، وصارت الأبواب مفتوحة على مصاريعها. وبهذا الانفتاح أيضا، يمكن لمدينة طوبى أن تتدخل في تسوية العديد من النزاعات. تنتهي دائمًا الصراعات المسلحة حول طاولة المفاوضات.
ويتمتع الخليفة بسمعة طيبة في الحكمة والتواضع؛ ولذلك هو قادر على أن يكون محورا مركزيا بين الدور الدينية والمجتمعات الأخرى لأجل حياة سلمية ومتناغمة.
إن رئيس الجمهورية السيد “ماكي سال” – لا شك – مقتنع بهذا. وواضح أن دولة السنغال كادت أن تسقط في الهاوية خلال الأسبوع الأول من شهر مارس ٢٠٢١ م على أساس التفاهات.
وبفضل هذه الدبلوماسية النشطة، تمكنت مدينة طوبى من إقامة تعاون مثمر يمكّنها حل مشاكلها الاجتماعية، مثل: مشكلة تنقية المياه، وتوفير مياه الشرب بالكمية والجودة، وكذلك تحسين التغطية الطبية، والتدريب العلمي، والتكوين المهني، والأمن من خلال تعاون فعال ومتعدد الأوجه. هذا التعاون أكثر فائدة خاصة عند ما يقوم بين المسلمين. مساعدة بعضنا البعض هي أمر إلهي.
والجدير بالذكر أن رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي أكبر هاشمي رفسنجاني خلال زيارة رسمية إلى السنغال، أراد معاليه الذهاب إلى مدينة طوبى، لكن الحكومة آنذاك أخبرته بأن الطريق بين داكار وطوبى متدهور للغاية خوفا على سلامته وراحته. وبالنسبة للرجال المطلعين، كانت هذه مجرد ذريعة لمنع الضيف الإيراني الكريم من الذهاب إلى مدينة طوبى؛ لأن الدولة لا ترغب في إثارة أي تلميحات أو احتجاجات من الطرق الدينية الأخرى. وهكذا لعب الدولة دورها في المساواة بين البيوتات الدينية من خلال إرادتها الثابتة لتحقيق رغباتها. وبذلك -حسب بعض المصادر- أرادت الدولة الإيرانية أن يتولى إصلاح وترميم الطريق بسرعة.
وأخيراً تم إحضار طائرتين مروحيتين من العاصمة الإيرانية لتسهيل تنقله إلى مدينة طوبى.
مع الانفجار الإعلامي وحرية ردود الفعل الملحوظة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من الضروري محاولة حماية الخلافة من قبل مجموعة من الخبراء المختارين بعناية، ويفضل أن يكونوا موهوبين بمعارف مختلفة كالجغرافيا السياسية وتحديات النظام العالمي الجديد والتكنولوجيا والعلاقات الدولية، وكل ما من شأنه أن يفيد الإدارة العليا للخليفة.
وتكون مهمة هؤلاء استقبال الوفود والزوار، وتنظيم الزيارات تنظيما يليق بمقام الخليفة، والتحدث معه أو مع أقرب حاشيته ليتمكنوا من توقع الأحداث التي يمكن للخليفة التدخل فيها. وهذا يفيد في اتخاذ أفضل القرارات في بعض الأحيان. وخاصة فيما يتعلق ببعض المشاريع التي تنفذها الدولة في المدينة.
أصبح الاقتصاد السياسي مهما في المعاملات، إذن يجدر أخذه بعين الاعتبار. ولا يرتبط معدل النمو الاقتصادي بمعدل النمو السكاني، والنمو السكاني لمدينة طوبى سريع جدا ومتسارع، إذا تم إجراء تعداد عام للسكان بدقة، فسيكون العدد حوالي مليوني شخص وفقًا لبعض المتخصصين في الإحصاء. ويبدو أن سلطات الدولة تصم آذانها وتعمى كيلا تتعارض مع الوجدان نظرا إلى المبالغ المستثمرة مقارنة بحجم السكان.
وهكذا تغيرت العقليات كثيرًا لفهم أهمية مزايا التعاون. وأصبح أبناء المدينة قادرين على قيادة التغييرات اللازمة لتحسين أسلوب حياتهم ومستوى معيشتهم. ويمكن للبلدية استغلال هذه الإمكانيات لتطوير البنى التحتية والاجتماعية والصحية. علاوة على ذلك، تعمل المنظمات ذات الاهتمام العام على تحسين الظروف المعيشية للسكان. ويكفي مثالا لذاك دائرة نور الدارين “طوبى تياكانام “لتوضيح هذه الملاحظات.
فإن مدينة طوبى تستحق أن تكون أفضل تنظيماً فيما يتعلق بعناوين أحياء المدينة وشوارعها بإقامة لوحات وشاشات مرئية، وخاصة أننا نعرف جيدًا الرجال الذين رافقوا الشيخ أحمد الخديم أثناء تأسيس مدينة طوبى، وكذلك أقاربه وأبنائه وعناوين قصائده. وذالك لتجنب الأسماء العشوائية التي كثيرا ما نسمعها من السكان المحليين. وعلى نفس المنوال، من المفيد تقسيم هذه المدينة إلى ثمانية وعشرين مجلسًا محليًا لإثارة روح التنافس بين رؤساء البلديات.
وبالتالي فإن روابط التعاون هذه تعزز السلام والاستقرار في العالم. فتبادل الهدايا بين المسلمين هو من أوامر النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
هذه هي الطريقة التي يعتبر بها “المكال” فرصة عظيمة ووسيلة ممتازة لتوطيد أواصر الأخوة والصداقة بين الشعوب.
ومنذ سنوات يتم تنظيم “مكال” في جميع أنحاء العالم، بذلك من المهم إجراء فحص دقيق للبعد الدولي له. وهذا الاحتفال يقترن بالتثبيت التدريجي للمريدين في الخارج. وذلك طريقة مهمة للتعريف بتعاليم الشيخ بشرط أن تظل الطريقة خالصة، أي مرتكزة على التوصيات الصارمة لأعمال الشكر والعبادة، بما في ذلك الطابع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي.

البعد الدولي لـ”مكال”
إن الشيخ أحمد الخديم نفسه هو أول من احتفل بـ “مكال” عام ١٩٢١م في مدينة جوربيل، وضع شروط التنظيم وأوصى أتباعه بأن يحتفلوا بهذا اليوم الذي نال فيه كل تمنياته من عند ربه. وقال: “من يفرح بسعادتي فليحتفل بيوم ١٨ صفر شكرا لله وإبداء لامتناني به”. هذه هي التوصية الأصلية للشيخ الخديم. في ذلك الوقت كان يحتفل به الجميع في منازلهم. تعظيما وتقديرا لمزاياه. إنه يوم نعمة وشكر وفرح
ولما تولى الشيخ محمد الفاضل الخلافة دعا المريدين في مدينة طوبى. منذ ذلك الحين، أصبح هذا الحدث أكبر تجمع ديني في السنغال بل في غرب إفريقيا.
وهذا، يعتبر “مكال” مناسَبة نادرة، تجمع بين مختلف الجماعات الصوفية والجمعيات الإسلامية في السنغال. إنها فرصة للتبادل والحوار من خلال المؤتمرات والموائد المستديرة والمنتديات، ووقتٌ للأنشطة الفكرية التي يشارك فيها النخبة السنغالية. وهي مناسبة أيضا لتوطيد أواصر الأخوة بين المسلمين الحاضرين. وذلك كما يقول الدكتور شام بوسو عبد الرحمن: “كل عام يلتقي عدد كبير من الناس يقدر بالملايين من مختلف شرائح المجتمع السنغالي في مدينة طوبى المقدسة”. إذن، إن هذا التجمع الهائل مناسِب لنشر تعاليم الشيخ الخديم وأعماله. وهي مصلحة مهمة من شأنها أن تساهم في تحقيق جميع المشاريع الكبيرة. وتحقيقًا لهذه الغاية، يقوم “روض الرياحين” بالتنسيق مع اللجنة المنظمة لـ – مكال- بإقامة محاضرات دينية وأنشطة ثقافية تمهيدا لـ- مكال. وكما تنظم أيضا أثناء الحدث مؤتمرات وندوات علمية يُدعى إليها ممثلو الطرق الصوفية والجمعيات الإسلامية.
ومن ناحية أخرى، تفرض أحداث “مكال” طلبًا قويا للمواد الغذائية، مثل: الأرز، والحبوب، والفواكه، والخضروات، ولحوم البقر والأغنام والدواجن، ومياه الشرب، وعصائر الفاكهة، والخبز والمعجنات، والعديد من الخدمات الإضافية. كل هذه البضائع مستوردة بالكامل تقريبًا؛ لذلك فهي فرصة لخفض معدل بطالة الشباب من خلال الاستثمار في المزارع الزراعية الحديثة للحصول على هذه المبالغ المالية التي كانت مخصصة سابقًا للعالم الخارجي نظرا لتوفر الموارد البشرية والأراضي. لكن التحدي الوحيد هو العثور على تمويل من المؤسسات المالية المحلية أو الدولية. وعدم استثمار قدرات الشباب القادرين على تقديم القيم المضافة من الخدمات للمريدية، ولذلك من المهم تعزيز الإنجازات باللجوء إلى النهوض بالجيل الصاعد، وبالتالي إذا عرفنا كيف نستغل هذه القوة، فإن المريدية سوف تكون قادرة على دفع الأمور نحو آفاق مستقبل مشرق.
لا يقتصر الاحتفال على مدينة طوبى فحسب، بل يغطي جميع القارات الخمس؛ لأن عالمية الشيخ الخديم تفرض على الجميع اتخاذه كمثل أعلى. ولكننا نستنكر التأثير والمشاركة المحدودة من قبل مواطني الدول المستضافة في الاحتفال ب “مكال” وعلى سبيل المثال، يقول شيخ فاتم امباكي “في إيطاليا، يتزايد كثيرا عدد الإيطاليين الأصليين الذين أصبحوا مريدين، لكن الاستخدام المفرط للغة الولفية أثناء الاجتماعات، يجب تجنبه حتى لا يتم استبعادهم”. وبالتالي يجب تشجيع أعمال الاندماج عن طريق استخدام اللغات الدولية أو لغة البلد المضيف، كما عمل الرائد الشيخ محمد المرتضى الذي فهم هذه القضايا في وقت مبكر.
البعد الدبلوماسي لـ “مكال”
يشجع قادة المجتمع المريدي على اكتساب العلم والمعرفة، كما أظهر مؤسس الطريقة المريدية هذا من الناحية النظرية والعملية، ويسير الخليفة الحالي الشيخ محمد المنتقى في هذا الطريق ليضع الأسس لترسيخ العلم والمعرفة، وخير مثال على ذلك مجمع الشيخ أحمد الخديم، الذي هو جوهرة يجب أن نحتفظ بها، ونحافظ عليها، ونفتحها للعالم استجابة لرغبات المؤسس حتى تظل طوبى مدينة العلم والمعرفة.
وها نحن في عالم الذكاء الاصطناعي، وعلوم الكم، والعملات المشفرة، وعلوم البيانات، إلخ، … وسوف يعيش العالم منعطفًا آخر، حيث يرى تحولات مستمرة، ومن هنا تأتي فائدة تشجيع البحث والتطوير لمواكبة العالم الحديث، وستتغير أشياء شتى عما قريب بعد معايير التقييم وسجلات المعرفة. وبالتالي علينا تسليح أنفسنا بأكثر من العلوم للتقدم والازدهار. لمواجهة كل محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار. وهذا النهج العلمي الجديد سيمكن من الاعتماد على مجموعة من الدول.
وفي النهاية هناك حاجة إلى مبادرات تصحيحية، بالنظر إلى أن نصف سكان السنغال والعديد من الأجانب وعدد كبير من أعضاء السلك الدبلوماسي يجتمعون في يوم وفي مكان واحد، فإن الدولة ملزمة بتوفير جميع وسائل الراحة والمعدات اللازمة لتلبية احتياجات الشعب. يجب الشعور بالتزام الدولة ورؤيته على جميع المستويات وعدم العبث بحجة الوضع الخاص للمدينة.
إن يوم النعمة والشكر أمر ضروري للتعرف على النعم التي أنعم الله بها على البشرية جمعاء. وهكذا يزول موقف الكفر والفساد في الأرض إذا قمنا ببعض التأملات. وتوصيات أبي المحامد واضحة جدا، وعلى المريدين أن يسيرو على خطاه طلبًا لرضوان الله تعالى.

Leave A Reply