كتب / مور لوم إعلامي ، مستشار وزير التعليم العالي والبحث والابتكار
مع اقتراب العام الدراسي الجديد، والعام الجامعي 2025-2026 تعيش الأسر السنغالية حالة من القلق الشديد بسبب الارتفاع المستمر في تكاليف ورسوم الدراسة، في وقت تمر فيه البلاد بمرحلة انتقالية حساسة بعد سقوط النظام السابق APR المتهم بالفساد المالي، وصعود الحزب الحاكم الجديد PASTEF إلى السلطة بقيادة رئيس الجمهورية بشير جوماي جاخار فاي ورئيس الوزراء عثمان سونكو. هذه المرحلة التاريخية تحمل آمالًا كبيرة لدى المواطنين في تحقيق إصلاحات جذرية، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن تحديات اقتصادية واجتماعية جسيمة تؤثر مباشرة على حياة الشعب، وعلى رأسها قضية تكاليف نفقات التعليم.
بعد سنوات من سوء الإدارة والفساد الذي اتُّهم به النظام السابق، في عهد الرئيس ماكي سال، ورثت الحكومة الجديدة اقتصادًا مثقلًا بالديون، مع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع أسعار السلع الأساسية. ومع ذلك، يبقى التعليم من أكثر القطاعات تضررًا، حيث تضاعفت الأعباء على أولياء الأمور بين رسوم التسجيل الباهظة في بعض المدارس والجامعات، وتكاليف الكتب واللوازم المدرسية والزي المدرسي، إضافة إلى مصاريف النقل والمواصلات.

لقد أصبحت كثير من العائلات السنغالية تعيش بين خيارين أحلاهما مرّ: إما الاقتراض لتأمين تكاليف تعليم أبنائها وبناتها، أو التضحية بمستقبلهم الدراسي من خلال سحبهم من المدارس أو الاكتفاء بتعليم الحد الأدنى. هذا الوضع لا يهدد فقط مستقبل الأفراد، بل يضع مسار التنمية الوطنية بأكمله في خطر، لأن التعليم هو أساس بناء أي نهضة اقتصادية أو اجتماعية.
إن استمرار هذا الوضع يهدد مستقبل جيل كامل ويؤثر بشكل مباشر على مسار التنمية في البلاد. فالتعليم ليس مجرد حق أساسي لكل مواطن، بل هو ركيزة أساسية للنهوض بالمجتمع وتحقيق التنمية المستدامة، وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة تصبح مسؤولية الدولة مضاعفة لضمان تمكين جميع الأطفال من حقهم في التعلم دون أن يشكّل الفقر أو الوضع الاقتصادي عائقًا أمامهم.
عندما صوّت السنغاليون للحزب الحاكم الجديد بقيادة الرئيس بشير جوماي جاخار فاي ورئيس الوزراء عثمان سونكو، كان الأمل كبيرًا في بناء دولة العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد المالي والإداري، خاصة أن التعليم يُعدّ من أهم الملفات التي ينتظر المواطنون إصلاحها. لكن الواقع اليوم يفرض تحديات صعبة على الحكومة التي تسعى لإعادة بناء اقتصاد منهك وضمان العدالة في توزيع الموارد.
المواطنون يتطلعون إلى أن تُولي الحكومة الجديدة قضية تكاليف الدراسة أولوية قصوى، وأن تتعامل معها كملف استراتيجي يمس حياة الملايين من الأسر، لا سيما أن الفجوة بين الطبقات الاجتماعية آخذة في الاتساع بسبب غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية.
لقد أطلقت الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس بشير جوماي جاخار فاي ورئيس الوزراء عثمان سونكو برنامجًا طموحًا تحت شعار “رؤية السنغال 2050″، يهدف إلى تحويل البلاد إلى قوة اقتصادية إقليمية قائمة على الابتكار والتعليم والتنمية المستدامة. وتضع هذه الرؤية التعليم في قلب استراتيجيتها، باعتباره المحرك الأساسي لتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية شاملة.
إن مواجهة أزمة تكاليف الدراسة تتطلب خطة حكومية شاملة وعاجلة لتخفيف العبء عن المواطنين، ومن أبرز الإجراءات المقترحة:
- دعم مالي مباشر للأسر الفقيرة ومتوسطة الدخل للمساعدة في تغطية تكاليف الرسوم المدرسية واللوازم التعليمية، وزيادة رواتب الموظفين والعاملين في القطاع الخاص.
- تسقيف رسوم المدارس الخاصة ووضع آليات رقابة صارمة لمنع استغلال حاجة أولياء الأمور.
- توفير الكتب واللوازم المدرسية بأسعار مدعومة أو توزيعها مجانًا على الفئات الهشة والمناطق الأقل حظًا.
- تحسين التعليم الحكومي من خلال زيادة ميزانيته، وتطوير البنية التحتية للمدارس، وتوظيف مزيد من المعلمين المؤهلين.
- إعفاء شامل لرسوم التسجيل في جميع المدارس الحكومية، بما يضمن تكافؤ الفرص التعليمية.
- إعادة النظر في السياسات الاقتصادية العامة لمواجهة التضخم وخفض أسعار السلع الأساسية حتى تتمكن الأسر من تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك التعليم.
إن تكاليف رسوم الدراسة اليوم أصبحت تهدد مستقبل جيل كامل من أبناء السنغال. وفي ظل الانتقال السياسي الحالي، تتحمل الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس بشير جوماي جاخار فاي ورئيس الوزراء عثمان سونكو مسؤولية تاريخية في الاستجابة لتطلعات الشعب وبناء نموذج جديد للعدالة الاجتماعية. فالاستثمار في التعليم ليس ترفًا، بل هو الطريق الوحيد لضمان مستقبل أفضل للبلاد وتحقيق التنمية المستدامة.
فإصلاح قطاع التعليم وخفض أعباء الدراسة على أولياء الأمور لن يكون مجرد حل لمشكلة آنية، بل هو خطوة أساسية نحو بناء دولة قوية عادلة تضع الإنسان في قلب اهتماماتها. وفي هذه المرحلة الدقيقة، ينتظر الشعب أن تتحرك الحكومة سريعًا وبحزم، لأن الوقت لم يعد في صالح الأجيال القادمة، وأن بناء أجيال متعلمة وواعية لا يتحقق إلا من خلال سياسات حكومية شاملة تضع المواطن في صميم اهتماماتها. فالتحديات كبيرة، لكن الإرادة السياسية الحقيقية قادرة على تحويل هذه التحديات إلى فرص لبناء مجتمع أكثر عدلاً وإنصافًا.
#دكارنيوز