الحاج مالك سي مؤسس الزاوية التجانية في تواوون : حياة في خدمة العلم والدين

0

في سماء العلم يشرق بين حينٍ وآخر نجم من نجوم الهداية، تضيء أنواره القلوب قبل الأبصار، وتبقى آثاره شاهدة على حياة ملؤها الإيمان واليقين. ومن هؤلاء الأعلام الذين كتب الله لهم الذكر الحسن والقبول الواسع، الشيخ الجليل والعالِم الربّاني، المربّي المصلح، الحاج مالك سي رحمه الله تعالى، الذي شكّل في حياته مدرسة قائمة بذاتها، وأرسى دعائم العلم والفضيلة في أرض السنغال وما جاورها.

لقد وُلد الشيخ عام 1855م، ونشأ في بيت طيب كريم، بين والدٍ تقيّ وأمٍ صالحة، فأخذ منذ نعومة أظفاره ينهل من معين القرآن الكريم. وما لبث أن أتمّ حفظه إتماماً متقناً، جمع فيه بين الحفظ والتجويد، حتى غدا من أهل الله وخاصته، الذين يتلون كتابه حقّ تلاوته. وبعد أن أكمل هذه المرحلة المباركة، انطلق في طلب علوم الشريعة، متنقلاً بين حلقات العلم، متعطشاً لكل معرفة نافعة.

وكان من أبرز شيوخه خاله الشريف ألفا مايورو، الذي تلقى العلم والورد التجاني عن العلّامة الشيخ مولود فال الشنقيطي، ثم جدّد العهد على يد الإمام المجاهد الحاج عمر الفوتي رضي الله عنه. فجمع الحاج مالك سي في قلبه أنوار القرآن، وفي عقله علوم الشريعة، وفي روحه سرّ التربية والسلوك.

كرّس الشيخ حياته للعلم والتعليم، فكان يدرّس ويؤلّف ويرشد، وفي الوقت ذاته يشرف بنفسه على حقوله وأعماله، جامعاً بين الجدّ في الدنيا والاجتهاد للآخرة. وقد استقر مقامه في تيواون، التي صارت ببركته منارةً للعلم ومهوى قلوب المريدين، وظلّ فيها حتى وفاته رحمه الله.

أما مؤلفاته، فقد جاءت دليلاً ساطعاً على سعة علمه وغزارة فكره، فمنها: قنطرة المريد، وزجر القلوب، وآلات المسجد، وكتابه النفيس الريّ الظمآن في مولد النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال فيه: ومولده به شرف وخير. ولم يقف عند ذلك، بل صنّف كتاباً عجيباً في السيرة النبوية أسماه: خلاص الذهب في سيرة خير العرب، فكان بحقّ درّة نفيسة لم تر العيون مثلها، إذ تتبّع فيه حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم خطوةً بخطوة، منذ مولده المبارك حتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى. وقد أثار هذا الكتاب إعجاب المستعربين وأدهشهم، حتى لم يصدّقوا أن مؤلّفه ليس عربياً أصيلاً، لما لمسوه فيه من فصاحة البيان وحسن التحرير.

لقد كان الشيخ الحاج مالك سي عالماً مولعاً بالعلم، عاش في رحابه، وارتقى بفضله، وترك للأمة ميراثاً باقياً لا يزول بمرور الزمن. فرحمه الله رحمة واسعة، ورفع درجته في عليين، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، وألحقنا به في زمرة النبيين والصالحين.

✍️ بقلم الكاتب: دمب انغران الساكني في ثامين

3/9/2025

Leave A Reply