السنغال وقضية فلسطين: استعادة الريادة التاريخية في سياق دولي واعد

0

د. بكاري سامب، رئيس ومؤسس معهد تمبكتو – مركز الدراسات الإفريقية للسلام في داكار

يبرز خطاب الرئيس السنغالي بشير جوماي فاي أمام الأمم المتحدة كلحظة فارقة في تأكيد التزام السنغال الثابت بالقضية الفلسطينية، حيث دعا إلى استنهاض “الضمير العالمي” إزاء الوضع “غير المحتمل” في غزة. هذا الخطاب، الذي لقي تصفيقاً واسعاً في الجمعية العامة، عكس روح الاستمرارية والثبات في دعم فلسطين، مؤكداً أن السنغال لا تزال رائدة في الدفاع عن العدالة والكرامة الإنسانية على الساحة الدولية .إن السنغال، بفضل تاريخها الدبلوماسي العريق، تتبوأ مكانة مرموقة ضمن الأمة الإسلامية، حيث تجمع بين تأثير عابر للقارات يربط إفريقيا جنوب الصحراء بالعالم العربي.

هذا الدور ليس رمزياً فحسب، بل هو نتاج مسار شجاع بدأ منذ السبعينيات، حيث كانت السنغال من أوائل الدول الإفريقية التي اعترفت بدولة فلسطين عام 1988، إلى جانب الجزائر ودول الجنوب الأخرى. كما استضافت السنغال قمتين إسلاميتين (1989 و2008)، مما يبرز قدرتها على توحيد الجهود الدبلوماسية حول قضايا حاسمة مثل فلسطين. ومن خلال رئاستها المستمرة منذ 1975 للجنة الأمم المتحدة لممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف (CEIRPP)، والتي تعد فريدة من نوعها، تؤكد السنغال دورها كوسيط محترم وثابت رغم تقلبات التاريخ والتحديات الدبلوماسية

إن استمرارية السنغال في دعم القضية الفلسطينية تنبع من قناعة أخلاقية راسخة، كما تجلى في مبادراتها الرائدة تحت قيادة الرئيس ليوبولد سيدار سنغور بعد حرب الأيام الستة عام 1971، وفي عهد الرئيس عبد جوف بعلاقاته الوثيقة مع ياسر عرفات. واليوم، تحت قيادة الرئيس الشاب بشير جوماي فاي، الذي يمثل ديناميكية جديدة إلى جانب رئيس الوزراء عثمان سونكو، يبرز السنغال كقوة موحدة للأمة الإسلامية، قادرة على تجاوز الانقسامات الضارة في العالم العربي وتعزيز دبلوماسية شاملة تضم الجنوب العالمي بأسره.

ولاستعادة هذه الريادة التاريخية، يجب على السنغال أن تتحول من موقف دفاعي إلى مبادرة بناءة، مستفيدة من صورتها كدولة ديمقراطية استثنائية في غرب إفريقيا، ودبلوماسيتها المتزنة حتى مع حلفاء استراتيجيين مثل واشنطن، وهالة الرئيس فاي كرمز للتجديد الإفريقي. يمكن أن يكون المنتدى الدولي في داكار للسلام والأمن منصة مثالية لإطلاق مبادرة إفريقية منسقة تجمع حلفاء دوليين.

ومن الاستراتيجيات المقترحة، يمكن للسنغال، كعضو مؤثر في منظمة التعاون الإسلامي، اقتراح “منتدى سنغالي للوحدة حول القدس” بالتعاون مع المغرب والسعودية لتعزيز لجنة القدس، مع الاستناد إلى قرارات المنظمة لعامي 2024 و2025. وفي إطار الاتحاد الإفريقي، حيث تُعد فلسطين إحدى القضايا القليلة الموحدة (52 من 54 دولة إفريقية تعترف بفلسطين)، يمكن للسنغال قيادة مبادرات لتفعيل الاعترافات الدولية، مستفيدة من رئاستها للجنة الأمم المتحدة. كما أن الدعم الشعبي الواسع في المجتمع المدني السنغالي والقادة الدينيين يعزز هذا الدور

وفي سياق موجة الاعترافات الدولية بفلسطين (148 دولة بحلول 2025، بما في ذلك فرنسا والسعودية عبر مؤتمر نيويورك)، يمكن للسنغال، بفضل علاقاتها الوثيقة مع السعودية وفرنسا، أن تكون جسراً دبلوماسياً. كدولة إفريقية مستقرة ديمقراطياً وتتمتع بتسامح ديني نادر، تمتلك السنغال المصداقية لقيادة عملية ما بعد الاعتراف، مانعةً تبديد الزخم الدولي الاستثنائي. إن استعادة هذا الدور القيادي لن تكون مجرد استحقاق تاريخي، بل واجب أخلاقي لتعزيز الوحدة والعدالة والسلام العالمي.

Leave A Reply