الشاب السنغالي والشركات الوهمية ذات الطابع التجاري – «Qnet» نموذجاً

0

كتب /الصحفي/محمد الأمين سيسي

شهدت السنغال خلال السنوات الأخيرة انتشارًا واسعًا لأنشطة شركات تُقدَّم على أنها فرص استثمارية أو تجارية مربحة، غير أنّها في جوهرها تقوم على أسسٍ وهمية لا تختلف كثيرًا عن أساليب الاحتيال المالي المعروفة. ومن أبرز هذه الشركات «كيونت» (Qnet) التي أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الشبابية والمجتمعية بسبب طبيعة عملها وطريقة استقطابها لعددٍ كبير من الشباب الباحثين عن فرصٍ سريعة للثراء والنجاح.

في ظل البطالة المتزايدة وندرة فرص العمل الرسمية في البلاد، يجد الشاب السنغالي نفسه فريسةً سهلة للشعارات البراقة التي ترفعها هذه الشركات، مثل «الحرية المالية» و«العمل من أي مكان» و«أرباح بلا حدود». تعتمد شركة كيونت في استراتيجيتها على التسويق الهرمي أو الشبكي، حيث يُقنع كل منخرطٍ شخصين أو أكثر بالانضمام تحت إدارته مقابل نسبةٍ من الأرباح، ما يجعل الربح مرتبطًا بعدد الأشخاص المجنّدين وليس بقيمة المنتج أو الخدمة ذاتها. ومع مرور الوقت، يكتشف كثيرٌ من الشباب أنّ الوعود كانت سرابًا، وأنّ الأرباح الموعودة لا تتحقق إلا للقلة التي في القمة الهرمية.

أذكر أنّه خلال إقامتي في السودان، حاول أحد أصدقائي إقناعي بالانضمام إلى شركة كيونت، وكان المبلغ المطلوب آنذاك حوالي 350.000 فرنك إفريقي. وعدته بالتفكير في الأمر دون اتخاذ قرار فوري. وبعد سنواتٍ عاد إليَّ بنفس الاقتراح، ثم مرة ثالثة، لكنّي لم أبدِ اهتمامًا يُذكر، وشعرت أن الأمر غير واضح المعالم. وبعد فترة، زرت أحد أصدقائي في يمبل، فحدثني عن تجربةٍ مشابهة عاشها مع أحد زملائه الذي حاول إقناعه بالانضمام إلى نفس الشركة، مستخدمًا نفس الأساليب والوعود، لكنه – لحسن الحظ – لم ينخرط أيضًا. هذه الوقائع الشخصية تُظهر كيف تنتشر هذه الشركات بين الشباب عبر الثقة والعلاقات الاجتماعية، وتُخفي خلفها منظومة مالية غامضة لا تُثمر إلا الخسارة.

في الآونة الأخيرة، جاءت الشركة بأساليب جديدة أكثر خطورة، حيث بدأت تحاول إرسال الشباب إلى دولٍ أخرى تحت غطاء العمل أو الانضمام إلى النوادي الرياضية. وقد شكّل حادث وفاة الشاب السنغالي في 🇬🇭 غانا قبل أسبوعين نموذجًا حيًا لذلك، إذ يُعتقد أنّ رحلته كانت ضمن نشاطٍ منظمٍ له علاقة بهذه الشبكات الوهمية، التي تستغل طموحات الشباب وتحوّلها إلى مآسٍ إنسانية مؤلمة.

قلة الوعي المالي والقانوني لدى الشباب تُعدّ أحد أبرز الأسباب التي تُسهِّل انتشار هذه الظواهر. فكثيرون لا يميزون بين التسويق الشبكي الممنوع قانونًا في معظم الدول، والتسويق بالعمولة المشروع قانونًا وأخلاقيًا. وبسبب ضعف المتابعة القانونية والرقابية، تعمل مثل هذه الشركات تحت غطاء بيع منتجات رمزية – كالساعات أو الأجهزة أو الدورات التدريبية – لتخفي طبيعتها الحقيقية القائمة على التجنيد الهرمي وليس على نشاطٍ تجاري حقيقي.

لا يقف ضرر هذه الشركات عند الجانب المالي فقط، بل يتعدّاه إلى إحداث شرخٍ اجتماعي ونفسي في صفوف الشباب. فالكثيرون باعوا ممتلكاتهم أو اقترضوا مبالغ كبيرة طمعًا في الأرباح السريعة، ثم خسروا كل شيء، ما أدى إلى الإحباط وتراجع الثقة بالنفس، بل وتفكك علاقاتٍ أسرية بسبب الخلافات الناتجة عن الخسائر المالية. كما تسهم هذه التجارب في خلق جيلٍ من الشباب المتشكك في كل مبادرةٍ اقتصادية أو مشروعٍ حقيقي، وهو ما يُضعف روح المبادرة ويُعزز ثقافة الخوف من الاستثمار.

تتحمل السلطات مسؤولية كبيرة في محاربة هذا النوع من الشركات، من خلال تشديد الرقابة على الأنشطة التجارية المشبوهة، وتفعيل القوانين التي تجرّم التسويق الهرمي، مع إطلاق حملات توعية عبر وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية. كما يقع على المجتمع المدني والإعلام مسؤولية نشر الوعي المالي وتوجيه الشباب نحو ريادة الأعمال الحقيقية القائمة على الإنتاج، لا على الخداع أو الأوهام.

إنّ تجربة «كيونت» وغيرها من الشركات الوهمية ليست مجرد ظاهرة تجارية، بل قضية وعيٍ وواقعٍ اجتماعي يجب التعامل معه بجدّية. فحين يُقدَّم الوهم في ثوب النجاح، يصبح الوعيُ هو السلاح الأول للحماية. وما دامت هذه الشركات تستغل طموح الشباب، فإنّ الحل لا يكمن في المنع فقط، بل في تمكين الشباب بالعلم والفرص الحقيقية حتى لا يكونوا وقودًا لمشاريعٍ وهمية تسرق أحلامهم ومستقبلهم.

Leave A Reply