بقلم الأستاذ/ الإمام حسن سيك أستاذ اللغة العربية في المدارس الحكومية، كاتب ومترجم ، مدير مركز الصيد الخاطر للترجمة والتوعية الإسلامية.
الحمد لله الذي جعل تأثير حملة القرآن في مجتمعاتهم، تابعا لتأثرهم بهذا الكتاب، في اهتماماتهم وحياتهم العملية. ثم الصلاة والسلام على من ربى جيلا قرآنيا فريدا، كان تألق فعلهم الحضاري المبهر، نابعا من تفاعلهم مع التعاليم والقيم الراقية المنبعثة من القرآن الكريم في مختلف الأصعدة.
أما بعد :

فلقد انعقدت حفلة تدشين عظمية الدلالات في نواح ومجالات عديدة بتاريخ 20/ 06 / 2018 في ساحة معهد أحمد الصغير لوح الميمونة ببون خلال هذه المناسبة، تحدثت سيدة جليلة باسم محافظ منطقة بون وجاءت في كلمتها عبارة أصابت كبد الحقيقة وحركت في النفوس الكوامن العميقة وذلك عندما خاطبت السيدة الشيخ محمد بار انيانغ مؤسس ومدير المعهد المذكور بقولها له: ”لك اليد العليا على مجتمعك الذي أعطيته أكثر مما أعطاك“ .
وهي بذلك كانت تبدي إعجابها بالهمة العالية المقرونة بالطبيعة الإنجازية الموفقة لرجل أبى الله إلا أن يكون نتاجا خالصا وثمرة محضة لتكوين المدارس القرآنية في السنغال ممثَلة في مدرسة كوكي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : هل هذه الهمة العالية والطبيعة الإنجازية شاردة استثنائية فقط لأحد خريجي المدارس القرآنية أم واردة اطرادية تذكرنا باليد العليا لحملة القرآن الجديرين به على مجتمعنا السنغالي منذ نشأة أول مدرسة قرآنية فيه إلى يومنا هذا ؟
إن محاولة الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب هي ما شرفتني بها إدارة معهد أحمد الصغير لوح ببون من خلال تكليفي بكتابة مقال حول هذا الموضوع المعبِر : (المدارس القرآنية في السنغال ودورها الرائد في المجال الاقتصادي والاجتماعي، معهد كوكي نموذجا)

وإنه لتشريف تتقاصر عن الوفاء بعشر حقه فسيحات خطاي وقصارى جهدي ولكنه كما يقولون مالا يدرك كله لا يترك جله.
وأستمد العون من الله تبارك وتعالى في كتابة هذا المقال على النحو التالي :
1- خلفية تاريخية عن المدارس القرآنية.
قبل التعرض لأي حديث عن المدارس القرآنية في السنغال، فإنه يحسن محاولة ربطها بخلفية تاريخية موجزة على النحو التالي.
أ- النشأة المباركة:
روى الحافظ الذهبي برواية حفص بن سليمان الكوفي في معرفة القراء فانتهى به إلى رب العالمين1
وهذا يعني أن أول معلم للقرآن هو الله رب العالمين الذي علمه جبريل عليه السلام وعلمه جبريل محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء في قوله تعالى : ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾2
ثم علمه الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام انطلاقا من دار الأرقم بن أبي الأرقم تعليما جمع بين العلم والعمل، تحول به هؤلاء الصحابة إلى نماذج قرآنية حية تمشي على الأرض.
واستمر الاهتمام بالقرآن متزايدا ومتناميا إلى أن عين سيدنا عمر رجلا اسمه أبو سفيان يستقرئ أهل البوادي القرآن من لم يقرأ منهم ضربه بالسوط، أما سيدنا عثمان فقد عين لكل مصر من الأمصار مقرئا خاصا للقرآن3
ب- المدارس القرآنية أساس التعليم:
هكذا كان المسلمون يولون لتعليم القرآن أهمية وأولوية لا يولونهما لغيره ولو كان الجهاد في سبيل الله. يقول حُمَيد الجمالي : «سألت سفيان الثوري عن الرجل يغزو أحب إليك أم يُقرئ القرآن؟ فقال : يقرئ القرآن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال خيركم من تعلم القرآن وعلمه «4 وكانت النتيجة المنطقية لهذا الاهتمام أن كان حِفظُ القرآن وتفهُمه هو أساس التعليم لدى سلف هذه الأمة وفي ذلك يقول ابن عبد البر : «طلب العلم درجات ومناقل ورتب، لا ينبغي تعديها ومن تعداها جملة فقد تعدى سبيل السلف ومن تعدى سبيلهم عامدا ضل ومن تعداه مجتهدا زل وأول العلم حفظ كتاب الله وتفهمه«5 ، وعن هذا الأساس يقول ابن خلدون : «وصار القرآن أصل التعليم، الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات« 6، لقد كان الملكات عظيمة ومتنوعة في مختلف العلوم والفنون من علوم شرعية ولغوية وطب وهندسة ورياضيات وكيمياء وفيزياء والمنهج التجريبي وغيرها من العلوم التي كان للمسلمين السبق فيها والفضل في تعليمها للبشرية جمعاء حتى يقول بِرِفُولت : «ليس ثمة ناحية من نواحي الازدهار الأوربي إلا ويمكن إرجاع أصلها إلى مؤثرات الثقافة الإسلامية«7 .
ومن المعلوم أن الكتاب الوحيد الذي يرجع إليه الفضل في تكوين هذه العقلية العلمية التي ولَدت تلك الحضارة العملاقة هو القرآن الكريم.
ج- الامتداد منهم إلينا:
وهذا النظام التعليمي الذي أساسه القرآن الكريم، لم يكتف بإبراز الملكات في مختلف العلوم والمجالات؛ بل ساهم في تكوين ونشأة مراكز إشعاع ثقافي ومراكز وجامعات عريقة على امتداد العالم الإسلامي ومن هذه المراكز في إفريقيا السوداء: مركز ” كانو ” بنيجيريا ومركزي ” جيني ” و ” تمبكتو ” بمالي.
وساهمت هذه المراكز بدورها في تكوين مدارس قرآنية ومراكز علم إفريقية تطورت وأصبحت مزدهرة منها جامعة ” بير ” التي تأسست في ق17 على يد الشيخ القاضي عمر فال1555 – 1683 وجامعة بير هذه هي المدرسة الأم لمراكز التعليم التي ازدهرت فيما بعد في مختلف ربوع السنغال.
وكيف حدث هذا التطور فيما يتعلق بمدرسة كوكي ؟
هذا هو موضوع المحور التالي.
2- مدرسة كوكي نموذجا للمدارس القرآنية في السنغال.
من جامعة بير، تخرج الشيخ مختار اندومب جوب ( 1701 – 1783 ) مؤسس أول مركز علمي في كوكي.
وعلى يدي الشيخ مختار اندومب جوب هذا، تعلم الشيخ مختار نار لوح الجد الثالث للشيخ أحمد الصغير لوح رحمه الله مجدد مركز كوكي بإذن من شيخه وسميه أحمد الصغير امبي رحمه الله ابتداء من 1949م.
وإذا كان الشيء النموذجي هو الذي يتمتع بالصفات والميزات التي يستحسن وجودها في نوعه أو فئته أو جماعته، فإن كل مدرسة من المدارس القرآنية العريقة في السنغال يمكن اعتبارها نموذجية لغيرها.
بما أنه من هذه المدارس مدرسة كوكي الثانية التي تأسست على يد الشيخ أحمد الصغير لوح (1903 – 1987) فإنها يمكن اعتبارها نموذجية في هذا الإطار لأمور كثيرة منها:
أ- المرجعية الكبيرة لمؤسس هذه المدرسة في مجال تعليم القرآن في السنغال:
كلما تعلق الأمر بتعليم القرآن في السنغال، لا بد أن يتبادر إلى الأذهان الإسهام المتميز للشيخ أحمد الصغير لوح في هذا المجال ومظاهر هذا التميز لا تكاد تدخل تحت الحصر :
1- تجسيده العجيب لصفات الرجل القرآني المثالي من التنسك السني والورع النادر والزهد الكامل إلى غير ما هنالك من صفاته التي أبهرت جميع الذين عرفوه أو عاشوا تحت كنفه.
2- تفانيه الكلي في خدمة القرآن وتحفيظه وتربية الناس على مبادئه وتكريسه حياته كلها لهذه المهمة، حيث لم ينقطع عن ممارسته إلا أثناء حجه لبيت الله الحرام!!!
3- أقواله العجيبة التي كان مثلا للعمل بمقتضاها ومن هذه ما كان يقوله لتعليل اختياره تعليم الناس وكفالتهم بدون مقابل: «لو علمتهم بالأجر كيف سيتعلم أبناء الفقراء« أو قوله في الموازنة بين مصلحة عمل التلاميذ في الحقول وبين مصلحتهم في الاشتغال بالدراسة: «فليتضرر العمل لصالح الدراسة وليس العكس«. أو قوله : «لو كان عندي المال الواسع لذلك، فإني سأدفع المكافأة لمن يأتي إلي لتعلم القرآن وكذلك لوالديه ثم بعد أخلي سبيله إلى الأبد«.
4- الاعتراف الواسع بفضله وأثر عمله المبارك حتى شرفته حكومة عبد جوف بوسام فارس النخلة الأكاديمية سنة 1982.
ب- اتصاف مدرسته بميزات متفق عليها لدى الباحثين:
لعل هذه الأخلاق والخلال الربانية العظيمة التي جعلها الله في الشيخ أحمد الصغير لوح، هي التي سرت روحها المباركة في مدرسته حتى تميزت بميزات كثيرة منها:
1- أنها حتى الآن أكبر مدرسة قرآنية في السنغال وفي دول المنطقة من حيث العدد الذي تعلم ولا يزال يتعلم فيها القرآن من مختلف الطبقات الاجتماعية والبلدان، أو من حيث العدد الكبير الذي حفظ فيها القرآن حتى الآن. على سبيل المثال، توصل الدكتور جيم عثمان درامي، أحد خريجي هذه المدرسة والباحث في إيفان IFAN، أن العدد الذي حفظ القرآن في مدرسة كوكي من سنة 1982 إلى سنة 2007 فقط وصل إلى 2090 حافظا8
2- هي المدرسة التي ظهرت بركاتها في خريجيها وجعلهم متميزين على غيرهم في صفات هي محل اتفاق الباحثين والملاحظين فهذا الدكتور جيرنو كه يقول عن خريج مدرسة كوكي «مستواه – أي خريج معهد كوكي – دائما فوق مستوى زملائه في الدراسة، فعلى سبيل المثال فإن 25% من تلاميذ المدرسة الفرنسية العربية من خريج كوكي أو إحدى المدارس التابعة لها «
3- هذه المدرسة القرآنية هي الأكثر إنتاجا لمدرسي القرآن في مدارس أخرى، ولمكوني مدارس قرآنية في أماكن أخرى فها هو الدكتور. جيم درامي يحصي من هذه المدارس 18 في دكار وحدها وفي طليعة هذه المدارس في دكار معهد أحمد الصغير لوح ببون الذي هو الآخر أكبر جميع المدارس الداخلية لتعليم القرآن الكريم في السنغال من حيث العدد الذي يصل حاليا إلى حوالي 2200 كما تتميز هذه المدرسة على غيرها في جوانب أخرى. أما في إقليم كولخ فقد أحصى الباحث 43 مدرسة وفي لوغا 17 10 هذه مدرسة كوكي التي استطاعت، على رغم تقلبات الزمان، الاستمرار في السير على هذا المنهج المحافظ والمثالي في تعليم القرآن بدون مقابل مع كفالة جميع حاجات المتعلمين، وفي وتيرة متنامية ومتزايدة!! ولعل السر في كل هذه الأمور راجع إلى إخلاص المؤسس الشيخ أحمد الصغير لوح رحمه الله
فهذه بعض الميزات التي جعلها الله في مدرسة كوكي ومؤسسها وخريجيها. ويمكن إضافتها إلى ميزات أخرى مماثلة أو مباينة لغيرها من المدارس القرآنية على امتداد التراب الوطني، هذه المدارس التي يصل عددها الآن إلى أكثر من 50ألفا11 والآن
فما تأثير خريج هذه المدارس في المجال الاقتصادي هذا هو موضوعنا في المحور التالي:
3- الأثر الرائد لخريج المدارس القرآنية في المجال الاقتصادي:
من صفات وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية المغرضة، أنها لا تركز في تناولها للمدارس القرآنية إلا على جوانب سلبية بهدف تقزيم حجمها وتأزيم علاقتها مع المجتمع وتحجيم دورها وحجب مساهمتها الكبيرة في التنمية الوطنية.
وكل هذا، اتِساقا مع الخطط الاستعمارية التي كانت تعتبر المدارس القرآنية الخصم الذي يجب محاربته دون هوادة وتهميشه دون مراعاة لوزنها، فعلى سبيل المثال، قد أبدى السيد إبدير اتيام استغرابه الشديد لما كان وزيرا للتربية الوطنية واكتشف أن 55 مليون من الدعم الحكومي للمدارس الحرة، كان يصرف لمدارس الإرساليات التي لم تكن تجاوز 100 مدرسة. وهذا في الوقت الذي كان المبلغ المخصص للمدارس القرآنية العربية للشيخ مرتضى امباكي، البالغ عددها 300 مدرسة هو 700 ألفا12 لكن على الرغم من هذه المعاملة المجحفة من الدولة؛ فإن الحقائق الثابتة والإحصائيات الميدانية دلت على أن لهؤلاء يدا عليا وتأثيرا رائدا على المجتمع السنغالي في المجال الاقتصادي ويمكن إبراز بعض جوانب هذا التأثير على النحو التالي.
1- إن أول السنغاليين الذين سمحت لهما مهارتهما في المجال الاقتصادي أن يصبحا من أصحاب المليارات بعد استقلال السنغال، من خريج المدارس القرآنية. وهما:
– الحاج بابكر كبي المشهور بـ” انجَغَ” الذي كان والده معلما للقرآن في كولخ
– الحاج جيل امبي الذي هو من أوائل تلاميذ مدرسة كوكي
وكان كل واحد منهما على رأس إمبراطورية في مجال التجارة والأعمال، لها امتداداتها الواسع داخل السنغال وخارجه، ولا تزال الآثار التي خلفاها شاهدة على تأثيرهما العميق في الاقتصاد الوطني؛ فالعمارة التي بناها الأول منهما وتحمل اسمه من أعلى العمارات وأضخمها في قلب عاصمة دكار حتى الآن، أما الثاني ستبقى مدينة لوغا مدينة له في طرقها المعبدة ووحداتها السكنية وغيرها من المرافق.
2- ثلاثة أشخاص اسم كل واحد منهم سرنج من أصحاب المليارات في الوقت الحاضر:
إن هذا الاسم يعني ” الشيخ أو معلم القرآن “. وهذا من عجائب الاتفاق الذي له الدلالة على رسوخ خريجي المدارس القرآنية في النسيج الاقتصادي الوطني وهؤلاء الأشخاص هم :
أ- سرنج امبوب: وهو خريج مدرسة كوكي ولقد كان قبل 2015 رقم واحد في تصنيف السنغاليين أصحاب المليارات مع مبلغ يقدر بـ 4 مليارات فرنك وهو مؤسس ومدير شركة ) CCBMمكاتب تجارية بار امبوب ) وله باع طويل في التجارة بالمجال الإلكتروني بالإضافة إلى تركيب السيارات وغيرها من المجالات ومن منتجاته جهاز تلفزيوني SERICO بمعنى سرنج وأصحابه13 وهو أول شخص بنى مسجدا في المركز التجاري في السنغال ومن الداعمين البارزين لمدرسة كوكي دعمه الله
ب- سرنج عبد الله جه : هو مدير شركة SENICO ( الشركة الوطنية للصناعة والتجارة) وهو أيضا داعم كبير للمدارس القرآنية في السنغال. ومن مبادراته في هذا المجال، تنظيم مسابقة وطنية للقرآن الكريم ينفق فيها أموالا طائلة تشجيعا على تعلم القرآن. وهذا الشخص الفاضل هو العاشر في التصنيف الحالي لأصحاب المليارات في السنغال.
ج- سرنج سك : هو مدير ومؤسس شركة C 3S ( شركة سرنج سك سنغال ) وهو أيضا اتخذ مبادرة أصيلة وفريدة من نوعها بتنظيم مسابقة في رسم القرآن الكريم 2018 كما أنه شخص حافظ لكتاب الله وقد كتب المصحف الشريف، عن ظهر قلب، بيديه مرتين. وبعد ذلك استأذن من والده، الذي ما زال حيا وقد جاوز مائة سنة، في الذهاب لممارسة التجارة، وبارك الله له في تجارته14.
والقائمة طويلة جدا خارج هؤلاء المتفقين في الاسم، فمن البارزين غير هؤلاء: دمب كاه : صاحب محطات البنزين المعروفة ب EDK أي ( مؤسسة دمب كاه ) وآخرون كثيرون.
3- حقائق وإحصائيات اقتصادية أخرى:
من هذه الحقائق ما يلي:
أ- 50% من الدكاكين الموجودة في شارع لمن غي بدكار يملكها خريجو المدارس القرآنية، ويجدر بالذكر أن لمن غي هذا هو الآخر خريج المدارس القرآنية قبل أن يتعلم الفرنسية وينخرط في السياسة.
وهذا الشارع بمثابة الشريان النابض لحركة التجارة في السنغال.15
ب- 85% من الدكاكين الموجودة في سوق ساندغا تحت ملكية خريجي المدارس القرآنية في السنغال15.
ج- 50% من السلع المستوردة في السنغال تحت إدارة خريجي المدارس القرآنية15 .
د- صرح مدير بنك BICIS ( البنك العالمي للصناعة والتجارة في السنغال ) سنة 2002 أنه خلال 15 سنة الماضية، وجد أن 95% من زبائن البنك يوقعون بالحروف العربية16.
وهذا قليل من كثير جدا عن الدور الاقتصادي الرائد لخريجي المدارس القرآنية في السنغال، من خلال هذه الحقائق والإحصائيات المعبرة.
والآن ما تأثيرهم في المجال الاجتماعي ؟
4- الدور الاجتماعي المنقطع النظير لخريجي المدارس القرآنية في السنغال:
إذا كان المجتمع السنغالي مدينا لخريجي المدارس القرآنية في الجانب الاقتصادي، فإن دين هذا المجتمع تجاههم في المجال الاجتماعي هو الأكبر والأظهر والأبرز بكثير . إذ أنهم يتدخلون بالتأثير على شبكة العلاقات الاجتماعية السنغالية في كافة الأصعدة والمستويات والأبعاد. ولا يمكن أن يضاهيهم أو يباريهم في هذا المجال تأثير أية فئة ثقافية أخرى.
ويمكن إبراز تأثيرهم الاجتماعي بكل إيجاز في الجوانب التالية :
أ- غرس القيم المؤثرة في صنع الوجدان الاجتماعي للشعب السنغالي :
بما أن نسبة المسلمين في المجتمع السنغالي يصل إلى أكثر من 95% ؛ فإن مقتضى ذلك أن يكون تأثير التعاليم المنبثقة من القرآن والسنة في نسبة مماثلة، فيما يتعلق بصياغة وتوجيه وإرشاد الوجدان الاجتماعي للسنغاليين.
وهذه التعاليم عبارة عن قيم خلقية رشيدة يحيط بها الإسلام المجتمع ليكون سياجا منيعا له يضبط أموره ويخلق في أفراده الدوافع الإيجابية ويردع عنهم الدوافع المنحرفة.
وترسيخ هذه القيم هو مدار الإصلاح الاجتماعي في الإسلام من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى والإحسان إلى الجار والتعارف والتآلف وإتقان العمل والتضحية في سبيل مصلحة الآخرين …… إلخ
ومن المعلوم أن خريجي المدارس القرآنية هم المتخصصون في هذا الإصلاح الاجتماعي قديما وحديثا. سواء كانوا شيوخا أو أئمة أو دعاة وعلماء لهم التأثير الأول في الوجدان الاجتماعي للشعب السنغالي.
ب- الانعكاسات الاجتماعية لنجاح خريجي المدارس القرآنية:
وهذه الانعكاسات تمتد آثارها المادية على واقعنا الاجتماعي إلى أبعد الحدود. فخذ شركة – مثلا – من هذه الشركات التي ذكرناها لتجد أن عدد العاملين فيها قد يصل إلى 1000 أو خذ مثلا مدرسة كوكي التي، يقول عنها د. جيم درامي بأن عدد خريجيها الذين عرفوا موظفين في التعليم الإعدادي والثانوي فقط يصل إلى 36موظفا17 ناهيك عن الذين توظفوا في السلك الابتدائي أو الجامعي ممن عرفوا أو ممن لم يعرفوا.
وخذ مثالا آخر، وهو معهد أحمد الصغير لوح ببون الذي تأسس 1995، وقد كون حتى الآن ثلاث دفعات ممن تخرجوا من الدول العربية وكلهم من حملة الليسانس على الأقل، ويصل عددهم إلى29 شخصا. وقد نجح تسعة منهم في مسابقة FASTEF ( كلية التقنيات وعلوم التربية والتكوين ).
لا شك أن المستفيدين من هذه الانعكاسات المادية لنجاح خرجي المدارس القرآنية، ليعدون بالملايين.
ج- أدوار اجتماعية محتكرة لخريجي المدارس القرآنية:
هناك أدوار اجتماعية كثيرة تتطلب المباركة وإضفاء المسحة الدينية عليها لكي تكون مرضية عند ذويها مهما كانوا علمانيين أو بعيدين عن الدين، من هذه الأمور :
عقد الزواج
تسمية المولود
الصلاة على الجنازة
فهذه الأمور الثلاثة في حد ذاتها تدل على مدى حاجة المجتمع إلى القائمين بمثل هذه الأمور وفق تعليم الإسلام، وهم لا يمكن أن يكونوا إلا من خريجي المدارس القرآنية. فهم بهذه الأدوار الثلاثة فقط، لا يولد شخص، بطريقة شريفة، إلا إذا عقدوا الزواج، ولا يعرف اسم من ولد إلا بواسطتهم، وهم أيضا آخر من يتدخلون في أمر الميت قبل وضعه في قبره!!
الخاتمة :
في الخاتمة، نعود ونذكر بالعبارة التي قالتها السيدة الفاضلة في حق الشيخ محمد بار انيانغ كممثل لخريجي المدارس القرآنية النموذجيين : « لك اليد العليا على مجتمعك الذي أعطيته أكثر مما أعطاك « ونتساءل كم من خريجي المدارس القرآنية قديما وحديثا كانت لهم مثل هذه اليد على مجتمعنا السنغالي ؟!!
ولا يفوتني أيضا أن أكلل الخاتمة بالتوصيات التالية :
دعوة كل خريج من المدارس القرآنية إلى استلهام هذا التأثير العظيم لنظرائهم في مختلف المجالات ثم الاقتداء بأنجح من عرف منهم في مجال تخصصه ليكون تعلمه للقرآن ذكرا له كما قال تعالى : ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾
دعوة أصحاب الأموال منهم ومن جميع محبي القرآن إلى دعم المدارس القرآنية لتمويلها تمويلا ذاتيا حتى يتمكن أبناء الفقراء من أن يتعلموا القرآن مثل غيرهم، بكفالة الأغنياء من أهل القرآن ومحبيه. وبهذا يتحقق هم نبيل للشيخ أحمد الصغير لوح رحمه الله.
دعوة الآباء إلى أن يكون القرآن الكريم هو أساس التعليم لأبنائهم، حتى ينخرطوا في سلك أهل القرآن المؤثرين هذا التأثير المبارك في مختلف المجالات
دعوة الحكومة السنغالية إلى مزيد من الاهتمام والأخذ بعين الاعتبار للتأثير الريادي لخريجي المدارس القرآنية في مختلف الأصعدة. وذلك لحثها على مضاعفة اهتمامها بهم ودعمها لهذه المدارس المؤثرة هذا التأثير العظيم في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
المراجع.
1- د.علي بن إبراهيم الزهراني، مهارات التدريس في الحلقات القرنية ص: 346
2- القيامة ، آية : 17
3- د. علي بن إبراهيم الزهراني ، المصدر السابق ص: 27
4- النووي ، التبيان في آداب حملة القرآن ص : 21
5- ابن عبد البر ، جامع بيان العلم وفضله ص : 204
6- ابن خلدون ، مقدمة ابن خلدون ص : 537
7- أضواء على البحث والمصادر ، موقع إسلام kotobe religion
8- JIM DRAME L’ENSEIGNEMENT ARABOU ISLAMIQUE AU SENEGAL LE DAARA DE KOKI P 133
9- P: 272 THIERNO KA L’ENSEIGNEMENT ARABE AU SENEGAL L’école PIR SANIOKHOR
10- JIM DRAME OPPCIT PP: 184 – 190
11- IBA DER THIAM LES DAARAS AU SENEGAL RETROSPECTIVES HISTORIQUE
12- IBA DER THIAM OPPCIT
13 – أخذت هذه المعلومات من برم بوي، وهو خبير إعلامي وإمام وصديق للمدارس القرآنية.
14- أخذت هذه المعلومات من الشيخ خادم انجاي مدرس القرآن الكريم ورئيس اللجنة العلمية للمسابقة المذكورة
15- OPERATEURS ECONOMIQUE SENEGALAIS
16- برم بي نقلا عن آدم امبوب
17- JIM DRAME OPPCIT P : 180
الاجتماعيةالاقتصادالسنغالالمدارس القرآنيةبار نيانغ بون (معهد كوكي)
نقلا عن موقع #وسطيون