خطاب فخامة السيد بشير جومَاي فاي أمام منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة.

0

نص الخطاب الذي ألقاه فخامة رئيس الجمهورية بشير جوماي جاخار فاي أمام منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين.

السيدة رئيسة الجمعية العامة،
الزملاء الأعزاء،
السيد الأمين العام،
السيدات والسادة،
أصحاب السعادة،

السيدة الرئيسة،

باسم السنغال، أشكر سلفَكم، وأتوجّه إليكم بخالص التمنيات بالنجاح في رئاسة أعمال هذه الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

كما أجدّد دعمنا الثابت للأمين العام، السيد أنطونيو غوتيريش، في تحمّله أعباء مهمته السامية في خدمة الدول الأعضاء.

نجتمع اليوم في هذا المكان الرمزي للحوار الكوني، حاملين أثقال التاريخ وضغوط الحاضر العاجل.

إن موضوع هذه الدورة، «معًا بشكل أفضل: 80 عامًا وما بعدها من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان»، يذكّرنا بالميثاق التأسيسي للأمم المتحدة؛ ميثاق التعايش السلمي، والأمن الجماعي، ونظام دولي قائم على القانون.

وعلى هذا الأساس، حققت الأمم المتحدة تقدمًا لا يُنكر في التعاون التضامني لمنع النزاعات، وتعزيز السلم والأمن الدوليين، وتسوية الخلافات.

كما أُحرزت مكاسب مهمة في تقنين معايير عالمية لحماية حقوق الإنسان، وإرساء نظام دولي أكثر أمنًا وسلامًا.

غير أنّه، وبعد ثمانين عامًا من تأسيس الأمم المتحدة، يهتزّ العالم مجددًا، وكأنّ البشرية تعود إلى الانحرافات التي قادتها إلى كارثتين كبيرتين في جيل واحد.

نحن نعيش أوقات اضطراب شديد، وتحديات غير مسبوقة، ومخاطر متعددة: تمدد الإرهاب، واستمرار نزاعات قديمة وحديثة، واختلال المناخ، وأزمة اقتصادية عميقة، وتراجع التضامن الدولي، وخطر مرتفع بتفكك التعددية. ولا أنسى عودة سباق التسلح، حتى في الفضاء السيبراني.

الأخطر من ذلك هو هذا التجريد المروّع للإنسانية، في عالمٍ صارت فيه المشاعر انتقائية تبعًا للمصالح والحسابات الجيوسياسية.

لا يمكن أن تقوم العدالة على الحقّ ما دام ما يُسمّى بالنظام الدولي محكومًا بقاعدة الكيل بمكيالين، وقانون الأقوى، والروح الحزبية الضيقة.

وفي هذا السياق المقلق، تظلّ إفريقيا تواجه نزاعات مسلحة، وإرهابًا – خصوصًا في منطقة الساحل – وجريمة عابرة للحدود، وعدم استقرار سياسي.

وأمام هذا الكمّ من التحديات، ينبغي أن يكون نهجنا متكاملًا، يجمع بين الوقاية، والمرونة، والاستجابات الموجَّهة.

السلام والأمن لهما ثمن. فلنُوفّر الوسائل اللازمة عبر تمويل مستدام ومتوقَّع لعمليات دعم السلم في إفريقيا، مع تجهيزات ملائمة، وتفويضات واضحة، وقواعد اشتباك قوية. تلك هي السبيل الوحيدة لمواجهة آفة الإرهاب واستعادة حدٍّ أدنى من الأمن والاستقرار في المناطق المنكوبة.

أجدّد هنا تضامن السنغال مع الدول الشقيقة المنخرطة يوميًا في مكافحة الإرهاب.

أما في الشرق الأوسط، فما زال الشعب الفلسطيني يعيش أسوأ المآسي، حتى ضاقت الكلمات عن وصفها. وتحت وقع القصف اليومي، تجاوزت المأساة كلّ حدود. غزة لم تعد حيّة؛ غزة – أرض الدموع والدماء والعرق – تحوّلت إلى جحيم لملايين الأرواح من مختلف الأعمار، محاصَرين في سجن مفتوح. رجال ونساء وأطفال يلفظون أنفاسهم يوميًا، محرومين من الغذاء والماء والرعاية الصحية.

إنّ السنغال تكرر إدانتها الصارمة لهذه المأساة التي لا يمكن لأي مبرر أن يشرعنها. وبصفته رئيسًا للجنة ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرّف، يرى السنغال أنّ الحلّ الوحيد هو إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، تعيش كلّ الأطراف داخل حدود آمنة ومعترف بها دوليًا.

السيدات والسادة،

قبل ثمانين عامًا، تعهّد المؤسسون، من خلال إنشاء الأمم المتحدة، بحماية الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي – في غضون ربع قرن فقط – أزهقت ملايين الأرواح وخلفت آلامًا لا توصف.

باسم السنغال، أحيّي الروّاد وكل من جسّدوا القيم العالمية للمنظمة، حتى على حساب حياتهم.

وفي هذا العالم المأزوم، ينبغي أن تبقى المبادئ والأفعال على حالها:
• السلام بدلًا من الصراعات؛
• العدالة بدلًا من اللامبالاة؛
• الشراكة بدلًا من منطق القوة.

لكن هذا لا يكون إلا من خلال تعددية قوية ومجدَّدة، تجعل منها إطارًا وحيدًا للعمل من أجل السلم والاستقرار، عبر الحوار والتشاور والتسوية السلمية للخلافات.

إنّ بقاء التعددية مشروط بعودتها إلى مبادئها الجوهرية: المسؤولية المشتركة والتضامن الفعّال، احترام القانون الدولي، والعدالة الكونية وفقًا لميثاق محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.

إلى جانب ذلك، لا يمكننا تجاهل ضرورة إصلاح الحوكمة السياسية والاقتصادية والمالية العالمية.

ينبغي للأمم المتحدة، بحكم عالميتها، أن تقود عملية اتخاذ قرارات أكثر ديمقراطية، وأكثر شرعية، وأكثر تمثيلًا للدول الأعضاء، التي ارتفع عددها من 51 عام 1945 إلى 193 اليوم.

وأجدّد دعم السنغال لإجماع إيزولويني من أجل تمثيل عادل ومنصف لإفريقيا في مجلس الأمن.

كما حان الوقت لإرساء نظام اقتصادي ومالي عالمي أكثر عدلًا وشمولًا، يلبّي الحاجات الحقيقية لتمويل التنمية المستدامة.

ونعلم جميعًا أنّ المساعدات الرسمية ليست الحلّ.

هناك روافع أخرى، من بينها:
• إطار ضريبي عالمي عادل يضمن دفع الضريبة حيث تُنتَج الثروة؛
• تمكين الوصول إلى التمويل بشروط ميسّرة، حتى لا تُعيق أعباء الديون جهودَ التنمية في بلداننا؛
• وأخيرًا، التنفيذ الفعلي لاتفاقية إشبيلية، و”الميثاق من أجل المستقبل”، وأهداف التنمية المستدامة لضمان وصول أوسع إلى الصحة، والمياه، والغذاء، والتعليم، والطاقة، والرقمنة.

أمّا تغيّر المناخ، فهو ليس تهديدًا بل مسألة وجودية، حقيقة قاسية تطال بشكل أشدّ أولئك الذين لم يسهموا فيه إلا بنحو 4% من الانبعاثات العالمية.

ومع ذلك، فإنّ الجفاف والفيضانات وتآكل السواحل وانعدام الأمن الغذائي صارت واقعًا يوميًا لشعوبنا. إنها عقوبة مضاعفة باتت غير محتملة.

إنّ السنغال تجدّد تمسّكها باتفاق باريس للمناخ، وتدعو إلى انتقال مناخي عادل ومنصف، من خلال استغلال مواردنا المتاحة لتأمين وصول شامل للكهرباء وبدء مسار تصنيعي تنافسي.

إنّ مكافحة الاحتباس الحراري لن تتحقق إلا بتمويلات ضخمة للتكيّف، وتبسيط سبل الوصول إلى الصناديق المناخية، وضمان نقل التكنولوجيا.

كما يرحّب السنغال بإنشاء صندوق الخسائر والأضرار، ويدعو إلى حشد التضامن الدولي لتعبئة موارده، بغية تمويل الأنشطة الميدانية.

أصحاب السعادة، السيدات والسادة،

رغم الطوارئ وكثرة التحديات وتعقيدها، لسنا عاجزين. فالعالم يمتلك الوسائل الكفيلة بإطعام الجائعين، وتعليم أطفالنا، وعلاج المرضى، وإسكات صوت السلاح.

العقبة الحقيقية ليست مالية ولا تقنية ولا مادية، بل تكمن في الإرادة السياسية لتحويل التعددية إلى أداة للتضامن الجماعي؛ للتعاون بدلًا من المواجهة، نحو مستقبل تكون فيه الكرامة الإنسانية محور قراراتنا.

فلنجعل من الذكرى الثمانين للأمم المتحدة منطلقًا لأمل جديد، لا شهادة على نظام مُستنزَف. أملٌ في منظمة مُجدَّدة وأكثر فعالية في خدمة الشعوب التي تمثلها.

إنّ السنغال تظلّ وفية لالتزامها بالعمل في هذا الاتجاه مع جميع أعضاء المنظمة؛ مستعدة لمدّ الجسور، وحمل الإصلاحات، ومواصلة عملنا المشترك من أجل عالم يسوده السلام والعدل والتضامن.

أتمنى كل النجاح لأعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة.

شكرًا لكم على كرم إصغائكم.

Leave A Reply