شبابنا وسرُّ النهضة بين العلم والدين

0

بقلم / محمد جانج باحث في مرحلة الماجستير تخصص الحضارة في جامعة شيخ أنت جوب بدكار

إن ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع السنغالي في ظل غياب الاستقرار السياسي تتطلب كثيرا من الجهد والوقت. إذ تحتاج إلى إعادة النظر في السياسات التي تتخذها الحكومات لمواجهة الأزمات المتعددة التي تمر بها الدولة بشكل عام، ولاسيما الأزمة الأخلاقية: لأنها الركيزة الرئيسية للتطور، والدِّعامة الأقوى لبناء مجتمع متكامل قادر على مواجهة التحديات المستقبلية التي تهدد حياة الناس بشكل متنوع، وبدون التعليم الجيد لا يمكن حل هذه المشكلة .

لقد أهدرنا الكثير من الطاقة في مجتمعنا السنغالي، منذ بداية الاستقلال عام 1960م حتى الوقت الراهن في سبيل إصلاح الأزمات التي تواجه البلاد. وقد فشلنا في جميع الخطط التي اعتمدناها في سبيل الحفاظ على الاستقرار وتقدم البلاد في جميع المستويات. ولعل سبب فشلنا يرجع في الغالب إلى عدم تقديم الأولويات في هذه القضية؛ لأن الإصلاحات السياسية والاقتصادية لا يمكن أن تكون مقدمة على التعليم الديني والأخلاقي. فمهما تكن الوسائل المستخدمة لتحقيق الأهداف الوطنية المرجوة ناجعة، فلا يمكن أن نحقق تلك الأهداف إلا بتقديم مسألة مهمة تغافلت عنها السلطات السياسية السابقة ، وهي الأزمات المرتبطة بالتعليم المبني على الدين والأخلاق في حياتنا المعاصرة. و وضع هذه المسألة نُصب أعيننا يصبح مهما إذا أردنا بناء جيل جديد قادر على حمل هذه المسؤولية الراقية المرتكزة على قوة مركزية علمية وقيادة وطنية قوية.

قد يصعب على الدولة مهما كثرت مشاريعها أن تتقدم إلا بإعادة النظر في تأهيل الشعب الذي سيحمل مستقبل تلك الدولة ليكتسب كفاءات علمية مبنية على أسس أخلاقية، وليتمكن من تحمل المسؤولية.

وقد يتطلب الأمر التساؤل عن كيفية إعداد هذا المشروع ليكون الأفراد الحاملون لهذه المهمات العظيمة جاهزين لحمل المسؤولية على نحو راق.

ويتصل الجانب الأخلاقي بالتعليم ارتباطا مباشرا. إذ يعدّ التعليم الوسيلة الأساسية لبناء جيل مسؤول لذا، فإن نجاح هذه المشاريع مرهون بتركيز الحكومة على المواد الدينية في المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية الموجودة في الدولة، وبتكثيف المواد الدينية فيها وجعلها إلزامية لا اختيارية، من الابتدائية إلى الجامعات، وحتى في المعاهد التكوينيّة، و من دون استثناء أي تخصص أو أي مستوى. سواء أكان في التكنولوجيا، أو الجغرافيا، أو الهندسة، أو في المجالات العلمية الأخرى كالصحية والتقنية، لتلقين كل من الدارسين مبادئ الدين، وتذكيرهم دائما أن الجوْر، والاختلاس والتدليس، والخداع، والسرقة كلها ممنوعة دينيا قبل أن تكون ممنوعة قانونيا. وهذا، و من دون أي شك هو الوسيلة الناجعة لبناء شباب موظفين متديّنين وسياسيين أتقياء يميزون بين الصالح و الطالح، وينظرون في ما نهاه دينهم قبل أن ينظروا في ما نهاه القانون. ومن هنا، سيعتمد الجميع على كفاءاتهم ومهاراتهم لخدمة الوطن دون سرقة أو تزوير، أو استغلال المال العام الذي هو من حق جميع المواطنين. فلا يجب على أي واحد استغلاله بغير حق.

مهما كان المرء متأهلا للعمل، متقنا نظام الدولة، ومهما كثرت كفاءته، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ، فإن لم يتحلّ في عمله بمبادئ الدين قبل مبادئ الدستور فلن يسلم منه مال الدولة و لا المواطنون ؛ لأنه ، وبلا أي شكّ، سيستغلّ قوة وظيفته لتحقيق أغراض نفسه لا أغراض الدولة . وبذلك يضرّ وطنه و مواطنيه.
ولعل القارئ يظن أنني أقصد بلفظ ” الدين” الشريعة الإسلامية وحدها ، حتى الدين المسيحي داخل فيه، لأن فيه مبادئ وقيم أخلاقية و دينية راقية قادرة على المشاركة في بناء المجتمع. وبالتالي كل من دخل المدرسة وأراد التعلم سيستطيع معرفة مبادئ دينه مسلما كان أم مسيحيا، وبالتالي، لا يكون المجال ضيقا. وهذا يعزز المساواة بين أفراد المجتمع في حقي التعلم والتعليم.

ونجاح هذا العمل لا بد أن يكون بتركيز الحكومة على الشباب و بث الثقة في نفوسهم و تكوينهم على أساس المصلحة الوطنية المشتركة، لا الشخصية، و تربيتهم تربية مبنية على أسس دينية راسخة.

لا مِرية في أن الدولة تستمد قوتها من الشباب، لذا، فإن الاهتمام بهم وتربيتهم هو أساس التنمية البشرية التي يسعى إليها المجتمع المدني لتحقيق الأهداف. ولا يمكن تهذيب هؤلاء الشباب إلا بالمبادرة إلى تلقينهم مبادئ الدين،بحيث تكون لهم بمثابة مصباح يستضيئون به ويهتدون إليه حين يتيهون في الحياة .
غير أن معرفة مبادئ الدين لا تكفي. إذ يجب التطبيق العملي ليتحلى المرء بأساس تربوي مستقيم. فعليه الجمع بينهما في كل شيء. من هنا، سيقدر على التمييز بين الصالح والطالح، ويعرف كيفية التعامل مع مجتمعه وتقلبات الحياة، وبذلك يصبح متأهلا للكفايات العلمية و الأخلاقية المطلوبة التي يحتاجها المرء في حياته اليومية ليساهم في مشروع بناء المجتمع وتطويره، دينيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا، وهذا مما يساعده على التطبيق العملي لما يملي عليه دينه في حياته من مبادئ وقيم وأخلاقيات، ليكون عضوا فاعلا لدى الدولة والمجتمع. فإن غياب التربية والتعليم الديني يؤدي إلى غياب الأخلاق، بينما وجود التربية والتعليم الديني يعني وجود تلك الأخلاق التي ترفع مستوى المرء في المجتمع.
وقد صدق المتنبي حين قال:
‏هي الأخلاق ترفع كل بيتٍ
وإن كان البناءُ من الجريدِ
فما يجدي البناء بلا ضميرٍ
وإن كان الجدار من الحديد.

Leave A Reply