بقلم / الكاتب المؤرخ الحاج مور انياغ الجلوفي
فمشروع كتابة تفاصيل مجزرة “تياروي ٤٤” مشروع قيم جدا. فالشكر موصول إلى وزارة الثقافة وإلى الحكومة السنغالية التي أرادت تخليد بصمات رجالها؛ بيد أنني أرى أن الأهم هو بداية قراءة كتابِ “تاريخ السنغال” من المقدمة وعدم اختيار بعض العناوين التي تظهر مجهودات جنود فرنسا الزنوج (الرماة) وتهميش مجهودات أجدادنا الأحرار الذين قاوموا وناضلوا لأجل الدين والوطن قبل عام 1895م؛ فالسنغال ليست حديث عهد في التاريخ _ كما عرفنا _ فتسويد الصفحات للذين ماتوا في “تياروي” مع ترك جرائم فرنسا _ التي قامت منذ بداية الخمسينات بتعميم سياسة القتل والاحراق مع وصول الفساح السفاك حنرال المجرمين فهديرب في البلد _ في “والو” عام 1854حيث قامت بإحراق قرى كثيرة فيها اثناء مواجهتها للأميرة “انداتِ يالَّا” محاولة تهميش لدور العظماء الذين قالوا “لا” للاستحمار والاستعباد… فهل تنسون جرائم فرنسا ضد الانسانية التي ارتكبها في معركة “لورو” حيث أودى اميرهم بمساعدة (الرما)” حياة أكثر من 500 رجل عام 1864. وكذلك قيامها _ فرنسا _ بإحراق قرى كثيرة في “سالوم” عند ذهابها لملاقاة جيش المسلمين الوطنيين الذين جمعهم “تفسير مبَ” و”دميل لتجور” في “نيورو”. وقل مثل ذلك في إحراق فرنسا الجامع الكبير ب”بير” حوالي عام 1869م. فكل هذه الجرائم وغيرها، بغض النظر عن المعارك الدامية نتركها جانبا ونسهر لاجل فيلق كان يعمل لأجل فرنسا، _ ولمساعدتها عن الخروج من ويلات المانيا _ وإن كانوا سنغاليين أو أفارقة…
على كل حال نشكر الحكومة على سعيها الدؤوب لخدمة الثقافة والتراث في هذه الآونة، (تبديل أسماء الشوراع في المدن، _ ونطلب من رئيس بلدية دكار السيد عباس فال مراجعة ملف تسمية “ساحة الاستقلال” بالوزير السنغالي الكولخي، وحامل كلمة استقلال السنغال عام 1958م، السيد وَال جوجو انجاي_ المشاريع الكبرى لخدمة الدارة. انشاء إدارة للشؤون الدينية، تنظيم منتدى للقراءة والثقافة وإن كان حظ الثقافة السنغالية الاصيلة فيها ضئيلة جدا؛ لأن السنغال بدون الثقافة الإسلامية الافريقية مملكة من ممالك الغابة) فالأمة التي تهتم بتاريخها وثقافتها هي التي تأمن مستقبل لشعبها، فهذه الأمة وإن طال العهد سيبتسم لهم النهضة والتطور في جميع المجالات، وما قصة اليابان وتركيا وغيرهما عنا ببعيد؛ لأن التاريخ ليس سرد أحادث معسولة فقط وإنما هو معرفة بالأمس القريب والبعيد لتأمين حياة اليوم وبناء مستقبل زاهر وراسخ بالعلم والخلق. فنحن امة “اقرأ” فعزنا بالقراءة باسمِ الله، تلك القراءة التي تحيي في المرء (المسلم) حب الإيثار والتضحية، لأنه يعي قول الله تعالى: {إن الله لا يضيع أجر المحسنين}
فعلى الحكومة مراجعة ملفاتِ عظماء تاريخ البلد _ وبالاخص المسلمين منهم _ وإعطائهم الحق الذي يستحقونه؛ لأن البيض عملوا لطمس بصماتهم في تاريخنا ثم حذى حلفاؤهم حذوهم في التهميش والتجاهل. فالشيخ الحاج عمر الفوتي قامة في الثقافة والتراث قبل أن يكون بطلا وطنيا ضحى حياته لأجل البلد ولأجل افريقيا جنوب الصحراء، فهل هناك جامعة تحمل اسمها لتخليد بصماته. وَمحمد لمين درامي بطل وطني فقد واجه الاستعمار حتى قاموا بقتله ومحاولة إهانته بعد موته، ففي أي يوم نقوم بإحياء ذكرى وفاته. والشيخ “مبَ” بطل وطني حفظ لنا ميراث الأجداد، وقطع دابر الفرنسيين الذين ظلموا، ثم حمد الله هو وانصاره بعد معركة “باوص كتو” تلك المعركة التي نال الرماة (الفيلق الفرنسي الذين كان يستعمله البيض لمحاربة أجدادنا) بعدها ميدايات العار والخزي. أيها السادة الكرام، فهؤلاء الأبطال الذين قتلتهم فرنسا بشكل مباشر أو غير مباشر نهمشهم _ بدون ان نشعر _ في الحفلات والندوات ونحاول تقدير أعمال الذين كانوا يعملون لأجل فرنسا (وإن كان سكان البلديات الاربعة في السنغال يومئذ يعدون من المواطنين الفرنسيين على الدرجة 54) التاريخ _ سيدي _ لا يرحم نريد من يسلط الضوء على احداث مجزرة “تياروي” وغيرها من المجازر ولكن لا نريد من يهمش مجهودات هؤلاء الكبار الذين لعبوا دورا رياديا في حفظ الثقافة الإسلامية السنغالية قبل وبعد دخول الاستعمار.
فمن أراد ذكر اسم السنغال بدون هؤلاء العظماء المسلمين فعليه أن يبدّل الغينَ باءً واللامَ راء ثم يقرأها كما يشاء! إنها التاريخ لا يقبل تعزيز دور الصحابي والاقتداء به مع تهميش دور الزعيم البطل. والذي لا يريد التغني بامجاد اجدادنا الكرام نضع امامه المثل السيريري القائل “حتى وإن كره “انغور” فسيمطر الله في حقله” إن البيداية بالأهم لا ينقص شيئا من جمال الاهتمام بالتريخ والثقافة… وإنما تزيدها أناقة!
الجلوفي حفيد الأجداد