مقال : إدارة الشؤون الدينية وتوظيف حاملي الشهادات العربية في السنغال: رؤية إصلاحية لحوار وطني شامل.

0

كتب / عثمان سفير الأزهر


المقدمة:
منذ تأسيس إدارة الشؤون الدينية وتوظيف حملة الشهادات العربية في السنغال ، بقيادة الدكتور عثمان جيم درامي، بدأ الحديث يتزايد حول إمكانية إحداث تحول حقيقي في السياسات المتعلقة بالمستعربين، أولئك الذين ظلوا لعقود يعانون من التهميش والإقصاء داخل المنظومتين التعليمية والتوظيفية في البلاد.
ورغم أن الإدارة الجديدة لم تُعلن بعد عن خطة عملية واضحة، فإن المؤشرات الأولية توحي بأنها تحمل رؤية واعدة لإعادة الاعتبار لهؤلاء المستعربين، عبر السعي إلى إدماجهم في هياكل الدولة بشكل منصف ومهني.
لكن أي إصلاح حقيقي لا يمكن أن يُبنى من فوق، بل لا بد أن ينطلق من القاعدة، وذلك بإجراء حوار وطني شامل يضم كل الفاعلين والخبراء في الميدان، ممن راكموا تجارب واقعية في التعليم العربي، وتعرضوا بأنفسهم لأشكال من الإقصاء والتمييز، واستطاعوا مع ذلك أن يصمدوا ويدافعوا عن حقهم في الاعتراف والتمكين.
وفي هذا الإطار، تبرز فئة المعلمين الميدانيين، ممن راكموا خبرات طويلة في تدريس اللغة العربية في المراحل المختلفة. هؤلاء يعرفون حجم التحديات التي تعترض طريق التعليم العربي في المدارس، وقد واجهوا – على مدى سنوات – الإقصاء المنهجي بمواقف عملية ودفاع قوي ومبادرات علمية وتربوية وميدانية.
ولا تقل عنهم أهمية فئة الطلبة الجامعيين المستعربين، ممن عايشوا التجربة الجامعية السنغالية واصطدموا بجدران الإقصاء داخل كلياتهم، لا بسبب ضعف كفاءاتهم، ولكن لأنهم اختاروا التخصص في اللغة العربية. ومن بين هؤلاء خريجو وطلبة جامعة شيخ أنتا جوب، الذين عاشوا ظروفًا قاسية، تتوزع بين مشاكل في المناهج الدراسية، وصعوبات في التلقي، وإقصاء ضمني أو صريح في فرص المشاركة والتوظيف، ومع ذلك نجحوا وأبدعوا وتألقوا، ما يجعلهم في مقدمة المؤهلين للمساهمة في أي إصلاح جاد يستهدف التعليم العربي وتوظيف المستعربين.
إن إشراك هذه الفئات، من معلمين وطلبة وخريجين، شرط أساسي لبناء سياسة توظيف عادلة، تساهم في إصلاح الخلل البنيوي الذي طالما همّش التعليم العربي في بلد تزيد نسبة المسلمين فيه عن 97% من السكان .
ومن الطبيعي أن يقود هذا الحوار إلى نتيجة حتمية، وهي ضرورة تعميم أقسام تعليم اللغة العربية في الجامعات السنغالية العمومية، إذ لا يعقل أن تظل دراسة اللغة العربية محصورة في قسم واحد تابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة شيخ أنتا جوب بدكار، في حين يشهد التعليم العربي إقبالًا شعبيًا واسعًا، وتزداد الحاجة الوطنية إلى خريجين متمكنين في هذا المجال.
وقد يُقال إن هناك فرصة للالتحاق بكليات اللغات الأجنبية التطبيقية، مثل تلك الموجودة في جامعات شيخ أنتا جوب بدكار وغاستون بيرجي وتييس. وهذا صحيح من حيث المبدأ، ولكن الواقع يثبت أن المستعربين نادرًا ما يُقبلون في هذه الكليات، رغم السماح لهم نظريًا بالتقديم، وهو ما يطرح أسئلة مشروعة حول آليات الانتقاء والتمييز الضمني. وهنا ننتظر إجابة واضحة من وزارة التعليم العالي ورؤساء هذه المؤسسات.
ولذلك، فإن فتح أقسام عربية في جميع الجامعات العمومية ينبغي أن يكون من أولويات المرحلة، وألا يُحصر الوجود الأكاديمي العربي في جامعة واحدة فقط. بل ينبغي أيضًا أن يكون للمستعرب الحق في اختيار التخصصات الأخرى داخل كليات الآداب والعلوم الإنسانية، كما هو معمول به في كبريات الجامعات العالمية.
ومن مظاهر الإقصاء الأخرى التي يجب معالجتها بشكل عاجل، إغلاق التكوين المهني أمام المستعربين. فالتكوين المهني في السنغال لا يزال مقتصرًا على حاملي شهادة الثانوية الفرنسية بشُعبها المختلفة، في حين يُستبعد خريجو النظام العربي من أغلب مجالات هذا التكوين، رغم ما يملكونه من كفاءات معرفية ومهارات لغوية وعلمية متنوعة.
وعليه، يجب فتح باب الولوج إلى التكوين المهني أمام حاملي شهادة البكالوريا بشعبة اللغة العربية ( L’AR) ، ومعاملتهم على قدم المساواة مع نظرائهم في الشعب الأخرى، بما يضمن لهم حق التسجيل والتدريب والتوظيف وفق الكفاءة، لا وفق لغة التكوين.
كما أنه من غير المنطقي أن يُجبر الطالب الحاصل على شهادة البكالوريا العربية على الالتحاق فقط بقسم اللغة العربية، في حين تُمنح لزميله في شعبة L أو L1 حرية اختيار التخصصات. وهذا خلل في مبدأ العدالة التربوية يجب تصحيحه فورًا، لأن اللغة العربية ليست لغة دينية فقط، بل لغة عالمية تُدرّس في أرقى الجامعات، وهي حاضرة بعمق في الثقافة السنغالية، ويُقبل عليها الطلبة السنغاليون بشكل متزايد.
ومن ثم، فإن الشراكة مع المؤسسات والحركات الفاعلة في الميدان تمثل ضرورة لضمان نجاعة أي خطة إصلاحية. وعلى هذا الأساس، يُنتظر من الإدارة الجديدة، وعلى رأسها الدكتور عثمان جيم درامي، أن تتواصل بشكل مباشر مع هذه الفاعليات، وعلى رأسها:
 حركة المستعربين في السنغال، التي تضم معلمين ميدانيين، ومفتشين، ومكوّنين، وأساتذة جامعيين، وطلبة، ورجال أعمال مستعربين.
 جبهة طلبة المستعربين في السنغال، التي تلعب دورًا محوريًا في تأطير الطلبة المستعربين، وتضم كفاءات في مجالات علمية مختلفة كالزراعة والمعلوماتية والميكانيكا الكهربائية وغيرها.
ولا يمكن تجاهل الدور الذي تلعبه الجامعات والكليات الحرة التي أسهمت بشكل فعّال في تكوين آلاف المستعربين، مثل:
 جامعة الشيخ أحمد بمبا، بما تحويه من كليات وأقسام متعددة.
 مجمع الشيخ الخديم، بمؤسساته التربوية المتنوعة.
 كلية إفريقيا، وكلية الدعوة الإسلامية، وغيرهما من المؤسسات التي كان لها حضور ميداني فعلي.
وختامًا، تبقى مسؤولية الإدارة الجديدة مسؤولية جسيمة، إذ تقع الكرة الآن في ملعبها، لتترجم آمال آلاف المستعربين إلى خطة واقعية تبدأ بالحوار الجاد، وتُتوج بإنصاف تشريعي، وتنتهي بدمج فعلي في المنظومات التربوية والإدارية والمهنية.
وإذا تحقق هذا المشروع الإصلاحي، فسيكون خطوة فارقة في علاقة الدولة بثقافتها الإسلامية ولغتها العربية، وسيُمثل نقلة نوعية نحو عدالة لغوية وتربوية شاملة، تضمن لكل مواطن سنغالي الحق في التعليم والتوظيف، بصرف النظر عن لغة تكوينه أو تخصصه الدراسي.

Leave A Reply