مقال : إسقاط النظريات الميكيافيلية على مشروع عثمان سونكو: خطأ جسيم في التحليل السياسي

0

في خضم التحولات السياسية المتسارعة التي تعرفها السنغال، يبرز الزعيم عثمان سونكو كأحد أبرز رموز الحراك التغييري الوطني، وكممثل لخطاب جديد يتحدى منظومة الحكم التقليدية، مطالبًا باستعادة السيادة الوطنية ومحاربة الفساد. ومع اتساع قاعدته الشعبية، لجأ بعض المحللين إلى قراءة سلوكه السياسي من خلال عدسة النظريات الميكيافيلية، في محاولة لفهم دوافعه أو التشكيك في نواياه. غير أن هذا التوجه التحليلي يبدو مجانبًا للصواب، بل ويُعدّ خطأً جسيمًا في فهم طبيعة الخطاب السياسي للزعيم سونكو وسياق تجربته النضالية.

الميكيافيلية، كما صاغها نيكولو مكيافيلي في كتابه الأمير، تُبرِّر الغاية بالوسيلة، وتعتمد على فصل السياسة عن الأخلاق، حيث يُسمح للحاكم باستخدام الخداع والمكر والقوة حفاظًا على سلطته، ولو على حساب القيم والمبادئ. هذه الرؤية تفترض أن الغاية – وهي الحفاظ على الدولة أو الحكم – تبرر كل الوسائل، ولو كانت غير مشروعة.
لكن، لماذا لا تنطبق هذه الرؤية على عثمان سونكو؟

أولًا، إن خطاب عثمان سونكو قائم على المبدئية والشفافية، على خلاف ما تدعو إليه الميكيافيلية من تكتيك وغموض. يتميز خطابه بالوضوح المباشر، والنقد الذاتي، وبالحديث الصريح عن النفوذ الأجنبي في السنغال، كما يُصرّ على ربط الفعل السياسي بالقيم الأخلاقية والإيمانية، خصوصًا في ما يتعلّق بالمال العام وواجب المسؤولية.

ثانيًا، إن مشروعه نابع من الإرادة الشعبية، لا من طموح سلطوي. فصعود سونكو لم يكن نتيجة مؤامرات سياسية أو تحالفات خفية، بل جاء من تفاعله مع تطلعات المواطنين، وخاصة فئة الشباب. وشعبيته متجذرة في خطابه وأفكاره لا في أدوات النفوذ السلطوي، ما يجعله أقرب إلى حراك اجتماعي وطني منه إلى مشروع سلطة تقليدية.

ثالثًا، إن مناهضته الجذرية للفساد تتنافى مع مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”. فلا يمكن الجمع بين موقف مبدئي رافض للفساد، وممارسة سياسية قائمة على الانتهازية والمصلحة الذاتية. سونكو يرفض، بشكل صريح، أي تبرير سياسي للسرقة أو المحاباة، وهو ما يتعارض مع جوهر الميكيافيلية.

إن تصنيف سونكو ضمن القالب الميكيافيلي لا يقدّم فهماً دقيقًا لخطابه، بل يكرّس صورة نمطية عن كل سياسي معارض باعتباره متلاعبًا أو انتهازيًا. وهذا يُعدّ تبسيطًا خطيرًا للساحة السياسية السنغالية، ويخدم في نهاية المطاف الخطاب السلطوي الذي يسعى إلى نزع الشرعية عن كل مشروع بديل.

وأخيرًا، ليس من المنهجية السياسية الرصينة إسقاط النظريات الغربية بشكل آلي على تجارب محلية لها خصوصياتها الثقافية والتاريخية. وعليه، فإن قراءة تجربة سونكو من منظور ميكيافيلي تُعدّ قراءة مشوَّهة وسطحية، لأنها تتجاهل المرجعيات الأخلاقية التي تحكم خطابه، كما تُقصي السياق الشعبي الذي يستمد منه مشروعيته.

إن الواجب اليوم هو إعادة النظر في أدوات التحليل السياسي بما يُنصف التجارب الوطنية، بعيدًا عن القوالب النظرية الجاهزة، التي قد تُضيّع جوهر التحولات الجارية.
دكار- 14/07/2025
عثمان سك سفير الأزهر

Leave A Reply