مقال : “إفريقيا للأفارقة : من جيل نكروما إلى جيل غويتا”.

0

كتب / أحمد حيدرا باحث مهتم بقضايا وتراث أفريقيا جنوب الصحراء-من دولة مالي-

“25 مايو.. حين تعانقت قارات إفريقيا في أديس أبابا وبدأ الحلم الأفريقي”
في مثل هذا اليوم من عام 1963، لاح في الأفق بريق أمل أفريقي مشترك، حين احتضنت مدينة أديس أبابا أول مؤتمر قمة أفريقية، شاركت فيه أكثر من ثلاثين دولة. وكانت هذه القمة التاريخية بمثابة الإعلان الرسمي عن تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، التي شكّلت لأول مرة إرادة جماعية لقارة أرادت أن تتجاوز التفكك، وتكسر قيود التفرقة والاحتكار.

  1. تلاحم اللسان والثقافة: إفريقيا الناطقة بالعربية والفرنسية والإنجليزية تحت راية واحدة

في تلك اللحظة الفارقة، تعانقت إفريقيا الناطقة بالفرنسية مع نظيرتها الناطقة بالإنجليزية، إلى جانب إفريقيا الناطقة بالعربية. كان ذلك التلاحم متمثلاً في جيلٍ مثقف وواعد من الشباب الذين غادروا أوطانهم من أجل العلم، ثم عادوا يتقدون عزيمةً وشغفًا لخوض معركة الكرامة وتحرير بلدانهم من نار العبودية والاستعمار.

  1. الرواد الأوائل: نجوم سطعت في سماء النضال الأفريقي

لا يمكن الحديث عن تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية دون التوقف عند أعلامها ورموزها الذين دوّنوا أسماءهم في سجل المجد الأفريقي. من هؤلاء:

الدكتور كوامي نكروما (غانا)

الإمبراطور هيلا سيلاسي (إثيوبيا)

الرئيس جمال عبد الناصر (مصر)

المناضل أحمد سيكو توري (غينيا)

وغيرهم من القادة الذين واجهوا الاستعمار بأيدٍ قوية وعقول يقظة، مجسدين بأفعالهم حلمًا قارّيًا لا يُنسى. كانوا نجوماً في سماء النضال، وكما يُقال: “أجمل ما في السماء نجومها”.

  1. انهيار الحلم أم مؤامرة محكمة؟ انقراض جيل التحرر وصعود جيل التبعية

بمرور السنوات، بدت منظمة الوحدة الأفريقية –التي تحوّلت لاحقًا إلى الاتحاد الأفريقي– وكأنها تفقد بريقها. انقرض الجيل المؤسس أو أُقصي تحت وطأة الانقلابات والمؤامرات، ولم تصمد المنظمة أمام تغلغل النفوذ الغربي وهيمنة القوى الإمبريالية من جديد. غابت الروح التحررية، وحلّ محلها جيل مهادن خضع لإملاءات المستعمر السابق، وأفسح المجال للتبعية والارتهان.

  1. جيل ما بعد الاستعمار: نهوض أحرار القارة في وجه الإمبريالية المعاصرة

رغم كل ذلك، لم تخلُ أفريقيا من أحرارٍ في كل حقبة من الزمن. ومع بداية عشرينيات القرن الحادي والعشرين، بدأ جيل جديد في الظهور، يحمل عبقرية لومومبا، وشجاعة نكروما، وإصرار نيلسون مانديلا، ويتغذى فكريًا من تراث توماس سنكارا وسيكو توري.

أدرك هذا الجيل أن فرنسا لم تكن جسراً لتحقيق الطموح، بل حجر عثرة في طريق النهضة. أدركوا أن الإمبريالية الغربية هي العدو الأكبر، فشرعوا في توحيد الصفوف والعمل على استعادة كرامة القارة السمراء، تحت شعار: إفريقيا للأفارقة.

  1. من مالي إلى بوركينا فاسو والنيجر: الثورة تولد من رحم الغضب

في مالي، سطع نجم الجنرال عاصم غويتا، الذي أنهى الوجود الفرنسي بعد عقود من الإذلال. سرعان ما انتقلت شرارة التحرر إلى بوركينا فاسو بقيادة النقيب الشاب إبراهيم تراوري، ثم إلى النيجر مع الجنرال عبد الرحمن تياني.

شكلت هذه الدول الثلاث تحالفًا جديدًا حمل اسم تحالف دول الساحل (AES)، في خطوة غير مسبوقة نحو توحيد الإرادة السياسية والأمنية بعيدًا عن الهيمنة الفرنسية.

  1. السنغال تقلب الطاولة: الهزيمة الرمزية لفرنسا في مستعمرتها الأبرز

وفي السنغال، حسم الشباب المتدين المعركة الانتخابية لمصلحة التغيير. فاز مشروع وطني مناهض للإمبريالية الفرنسية، ورافض للهيمنة الثقافية التي لطالما كانت سلاح باريس في المنطقة. كانت خسارة السنغال بمثابة ضربة رمزية كبرى لفرنسا، في واحدة من أعرق مستعمراتها وأكثرها ولاء لها على مدى عقود.

  1. إفريقيا للأفارقة: من حلم الشيخ إبراهيم انياس إلى واقع جديد يتشكل

في عام 1959، كتب الشيخ إبراهيم انياس، أحد كبار الرموز الدينية في غرب أفريقيا، رسالة بعنوان “إفريقيا إلى الإفريقيين”، قال فيها:

“ولكل وطن قوم، ولكل قوم وطن، ونحن قوم أفريقيا. أفريقيا لنا، وكل وطن سوف يُحكم فيه أبناؤه إن عاجلاً أو آجلاً، مهما تآمر أعداء الجنسية الأفريقية (…). حكم الأجانب في بلاد الأجانب مضى إلى غير رجعة.”
واليوم، بعد مرور أكثر من ستة عقود، يبدو أن عجلة الاستقلال الحقيقي قد بدأت بالدوران من جديد. ورغم التحديات، فإن وعي الشعوب يتنامى، والجيل الجديد لم يعد يقبل بالخضوع.

أفريقيا تسير، وإن ببطء، نحو حقها المشروع: أن يحكمها أبناؤها، لا مستعمروها السابقون.

لقد انطلقت العجلة، وبدأت ملامح الاستقلال الشامل تلوح في الأفق. أفريقيا للأفارقة، ولن تعود إلى الوراء.

Leave A Reply