مقال اليوم : « اتفاقية أكواباور نموذجًا تعاونيًا ناجحا بين جمهورية السنغال والمملكة العربية السعودية »

0

بقلم / الدكتور باكري سامب
مدير معهد تمبكتو لدراسات السلام.

ترجع العلاقات السنغالية السعودية إلى عقود كثيرة، وتقوم على روابط عميقة ومتجذرة في التراث الإسلامي المشترك والتبادلات الثقافية والتعاون الدبلوماسي المستدام. وهذه العلاقة التي تعززت مع مرور الأزمنة وفقا للرؤية المشتركة بين البلدين تعتبر نموذجا ناجحا للتعاون بين دول الجنوب.

وفي 17 يوليو 2025، وقعت جمهورية السنغال والمملكة العربية السعودية ممثلةً بشركة ” أكوا باور“ اتفاقية تهدف إلى بناء محطة تحلية مياه البحر على المنطقة التي باتت معروفة بـ ”غراند كوت“ بسعة 400 ألف متر مكعب يوميًا. وهذا العقد –كما أسلفنا – يوحي بمعلم جديد في هذه الشراكة التاريخية، علمًا بأن المشروع الذي تقدر تكلفته الأولية بحوالي 1.3 مليار دولار، لا يعالج احتياجات السنغال الملحة من المياه فحسب، بل يجسد أيضا طموح رؤية السعودية 2030، بقيادة سمو الملك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والتي تضع المملكة العربية السعودية كقائد عالمي في التنمية المستدامة.

ولذلك، فإن هذه الاتفاقية تعزز الشراكات الاستراتيجية بين البلدين، وتسعى إلى تمكين مكانة السنغال في أفريقيا كبوابة السعودية في غرب أفريقيا. وتلاقي مشاريع السنغال من الدعم المتبادل في العديد من القطاعات مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، مع إعطاء مثال ملموس في التعاون المتكافئ.

إذا رجعنا إلى الاتفاقية، نرى أن محطة تحلية المياه مخططةٌ لتوفير مياه الشرب للعديد من المدن؛ مثل دكار وتيس وامبور التي تُمثل 80% من الطلب الوطني حول المياه الصالحة، وهي تُلبي حاجةً مُلحة في ظل ندرة المياه والنموّ السكاني السنويّ بنسبة 2.7% في السنغال.
وقد أسفرت المفاوضات، التي أُجريت بمشاركة مباشرة من قيادات البلدين، عن تقدّم ملحوظ، يتمثل في خفض التكاليف على الدولة السنغالية إلى 17.5 مليار فرنك أفريقي (حوالي 29 مليون دولار أمريكي) سنويًا حتى عام 2029، ثم إلى 35 مليار فرنك أفريقي (حوالي 58 مليون دولار أمريكي) بدءًا من عام 2030؛ ومشاركة كل من الشركة الوطنية للمياه والشركة الوطنية للكهرباء كمساهمين بحصة 20% في شركات الإدارة؛ وإنشاء معهد تدريب على تحلية المياه، يهدف إلى تدريب 500 فنيّ سنغاليّ بحلول عام 2030 لضمان نقل المهارات.

تعكس هذه النتائج شراكةً متوازنةً بين بلدان الجنوب، وتتماشى مع مبادئ السعودية في رؤية 2030، و التي تُعزز اقتصادًا متنوعًا ومستدامًا ومبتكرًا وتسعى إلى تقليل اعتماد المملكة العربية السعودية على النفط، بهدف الوصول إلى 50% من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 واستثمار 700 مليار دولار أمريكي في القطاعات غير النفطية.

إن هذه الاتفاقية التي تركز على الابتكار والاستدامة تمثل فرصة فريدة لأفريقيا، حيث لا يزال النفوذ الاقتصادي للمملكة العربية السعودية غير مستغل بالكامل، وتمثل السنغال، بموقعها الاستراتيجي في غرب إفريقيا، منصةً مثالية لتحقيق هذه الطموحات. إن التزام صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي هو المساهم الأكبر في شركة ” أكوا باور “ بحصة 44% ، وحضور المملكة العربية السعودية كضيف شرف في أحدث منتدى للاستثمار في السنغال في أكتوبر 2025، حيث سيتم مناقشة استثمارات محتملة بقيمة 2 مليار دولار، لدليل واضح على هذا الزخم المثالي.

ويمكن للمملكة العربية السعودية أن تتخذ مقاربة أكثر طموحًا في إفريقيا، بفضل صندوق الاستثمارات العامة الذي تبلغ أصوله 925 مليار دولار أمريكي في عام 2024م وتملك الرياض الموارد اللازمة لزيادة استثماراتها في قطاعات رئيسية مثل الطاقة المتجددة (حيث تهدف السنغال إلى أن تمثل 30% من مزيج الطاقة بحلول عام 2030م)، والزراعة (حيث لا تزال 60% من الأراضي الصالحة للزراعة في أفريقيا غير مستغلة)، والتكنولوجيا الرقمية (مع سوق أفريقية تقدر بنحو 180 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025)، والبنية التحتية. ومن خلال ترويج رؤية 2030 كنموذج للتحول الاقتصادي، يمكن للمملكة العربية السعودية إلهام الدول الأفريقية وتعزيز نفوذها. على سبيل المثال، يمكن مضاعفة المشاريع المماثلة لشركة ”أكوا باور“، مع إمكانية إنشاء 10 محطات لتحلية المياه في غرب أفريقيا بحلول عام 2035، وهو ما يمثل استثمارًا يتراوح بين 10 و15 مليار دولار أمريكي. ويضع مشروع تحلية المياه دولة السنغال كمركز إقليمي والمملكة العربية السعودية كشريك أساسي في أفريقيا. ومن خلال الاستفادة من (رؤية محمد بن سلمان 2030 )لتسريع استثماراتها وتعزيز نموذجها التنموي، تستطيع المملكة العربية السعودية تحويل علاقاتها مع السنغال والقارة إلى شراكة طموحة ودائمة، وإعادة تعريف معايير التعاون الدولي لصالح البلدين والمنطقة بأكملها.

نشرت المقالة أيضا على جريدة لوسولي بالعربية

دكارنيوز

Leave A Reply