بقلم الأخ الباحث سرين امباكي جوب خضر الطوبوي خريج معهد الدروس الإسلامية ومدرس اللغة العربية والعلوم الشرعية في معهد الخليل الإسلامي، ومعهد فتح المنان
تمهيد:
إن دين الإسلامِ يدعُو أمَّتهُ المباركة قاطبة إلى الوحدة والتواصل، ولذلك شرع لنا جملة من اجتماعات ومناسبات تجتمع فيها للتعارف والتشاور في أمور الدين والدنيا، ومن أهمها تلكم المناسبات الدينية والاجتماعية الكثيرة المتعددة التي لنا فيها أشياء فيها لم نشارك؛ لأنَّ الدين رغَّب في المشاركة فيها تعبيرا عن الفرح أو إظهارا لِلحُزن مع الحرص على ملازمة آدابها نظرا لكونها كالملتقى والمؤتمر للمسلمين، ومعلوم أن الشريعة الإسلامية قَد أمرتنا بأن نفشي السلام، ونطعم الطعام، ونجيب دعوة الداعي، ونعود المريض، ونتبع الجنائز حفظا لحقوق الأهل والقرابة والجيران.
والإنسان كائن اجتماعي بطبعه، ولا يخلو أي مجتمع من المجتمعات الشرقية والغربية في العالم من وجود مناسبات اجتماعية عامة حتى المجتمعات غير الإسلامية التي يحتفل أهلها باحتفالات عديدة.
- مفهُومُ الْمُنَاسَبَاتِ الدِّينِيَّةِ: نقصد بالمناسبات الدينية: المناسبات المتصلة بالأديان المنتشرة في العالم مِثلَ مُناسبة شهر رمضان، وليلة القدر، وعيد الفطر الذي يأتي بعد صيامنا شهر رمضان وهو يوم أكل وشرب وعتق، ويوم عاشوراء، وعيد الأضحى بعد نهاية الحج، وذكرى الإسراء والمعراج السابع والعشرين من رجب، والمولد النبوي الشريف، وليلة النصف من شعبان.
وأما الأعيادُ الدِّينيةُ فهي عيد الفطر، وعيد الأضحى اللذان يحتفل بهما المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها كل عام قُربة لله تعالى، وكذلكَ العيد الأسبوعي يوم الجمعة.
وسُمي العيد بِهذا الاسم؛ لأنه يعود كل عام على الناس مرّة بعد أخرى، وهو يوم التوسعة والتفريح والإطلاق. ومفهُوم العِيد عند الصُّوفيين: “كل يوم لم يعص فيه المُؤمن ربّه فهو عيد” اعتمادا على ما رُوي عن الإمام سيدنا علي – كرّم الله وجهه – أنه قال: ((إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبلَ اللهُ صِيَامَهُ وَشَكَرَ قِيَامَهُ، وَكُلُّ يَوْمٍ لاَ يُعْصَى اللهُ فِيهِ فَهُوَ يَوْمَ عِيدٍ)). [نهج البلاغة ص: (494)، قصار الحكم (418)]. ولذلك قال الشيخ الخديمُ – رضي الله عنه – وهو يشير إلى أنَّ جَميع أيَّامه صار كالعِيد:
لم ينحُنِي زجرٌ ولا وعِيدُ = لي ليلة القَدر وعُمري عِيدُ
والعيدان فرحة دينية دلت عليها الكتاب والسنة الصحيحة، قال الله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [سورة الحج: 67] روى ابن جرير في تفسيره عن ابن عبّاس – رضي الله عنهما – في قوله: {مَنْسَكًا} يقول: عيدًا.
وروي عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنهُ قال: قدِمَ رسولُ اللَّهِ – صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ – المدينةَ ولَهم يومانِ يلعَبُونَ فيهما، فقالَ ما هَذانِ اليومانِ؟ قالوا: كُنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليَّةِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ – صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ -: “إنَ اللَّهَ قد أبدلَكُم بِهِما خَيرًا مِنهما يومَ الأضحى، ويومَ الفطرِ”. [رواه أبو داود (1134)، والنسائي (1556)، وأحمد (12006)]، وعن عبد الله بن عباس أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إنَّ هذا يومُ عيدٍ، جعلَهُ اللهُ للمسلمينَ، فمن جاءَ إلى الجمعةِ فليغتسل”. [أخرجه ابن ماجه (1098) واللفظ له]
وهو يومٌ عظيمٌ، وفيه يجتمِعُ المُسلمونَ للصَّلاةِ واستِماعِ الخُطبةِ، ويومُ سُرورٍ وفرَحٍ عندَهم؛ لِمَا يشمَلُه مِن اجتماعٍ لهم، وما في اليومِ مِن خَيريَّةٍ على سائرِ الأيَّامِ. والأعيادُ مِنَ الشَّعائرِ الدِّينيَّةِ الَّتي تختصُّ بها كلُّ أُمَّةٍ عن غيرِها، وقد أعطَى اللهُ تعالى لأُمَّةِ الإسلامِ عيدَ الفطرِ وعيدَ الأضحى؛ ليُميِّزَها عن غيرِها، ويُبْدِلَها بهما عمَّا دونَهما مِنَ الأعيادِ. واعتاد المسلمون على الالتقاء خلال أيام العيد لتبادل التهاني وزيارة الأهل والأقارب وهو ما يعرف بصلة الرحم، بالإضافة إلى زيارة الأصدقاء والجيران وغيرهم، كما أن في عيد الفطر العطف على الفقراء من خلال زكاة الفطر التي يخرجها المسلمون الأغنياء من أموالهم.
يقول الشيخ الخديم – رضي الله عنه -:
حَمْدًا لِمَنْ جَعَلَ يَوْمَ الجُمُعَهْ = ويَوْمَيِ العِيدَيْنِ يَوْمَ المَنْفَعَهْ
وهناك أعياد دينية أخرى تُحتفل بها كالمولد النبوي الشريف، والمغال ونحوهما قد استنبطها جُمهور من العُلماء العاملين والأولياء الصالحين عن طريق الاجتهاد من القرآن الكريم والسنة كقوله تعالى: {وذَكِّرْهم بِأيّامِ اللَّهِ إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ} [سورة إبراهيم: 5]، والمُراد بِأيّامِ اللَّهِ: نِعَمه ونِقَمه التي قَدّرها في الأيَّام، أو بما كان في أيام الله تعالى من النعمة والمحنة كما ذكره الطبريُّ – رحمه الله -، والعبد إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر.
ومن أهم هذه المناسبات الدينية في دولة السنغال بشكل خاصّ وفي العالم الإسلامي بشكل عامّ المكال (Magal)، حيثُ يعدُّ عيد شُكر للمُريدينَ قاطبةً، وفرصةً سَانحةً لنشر رُوحِ المحبّة والسَّلام في رُبوع العَالم الإسلامي وغيرهِ، وهو موسم سَنوي يصادف اليوم الثامن عشر صفر من الخير بحسب التقويم الهجري إحياء لذكرى رحلة الشيخ الخديم – رضي الله عنه – إلى المنفى في الغابون، والذكريات الأخرى للأحداث التاريخية المهمة للطريقة المريدية.
وقد تكلم الدكتور عامر صمب – رحمه الله تعالى – في ثنايا كتابه “الأدب السِّنغالي” فِي مبحث “اللغة العربية في السنغال” عن أبرزِ الأعيادِ التي يحتَفل بها الشعب السنغاليّ، وهي عيد الأضحى الذي يسمونه «تَبَسْكِي»، وعيد الفِطر أي: «كُورِ»، وعاشوراء أي: «تَمْخَرِتْ».
ومن المناسباتِ مُناسباتٌ وطنيةٌ، مثل عيد الاستقلال، ورأس السنة الهجرية (فاتح محرم)، ورأس السنة الميلادية (فاتح يناير)، وعيد العمال (فاتح مايو)، ومناسبات اجتماعية كالزواج، والعَزاء، وزيارة المريض، والعقيقة، والختان، والمآتم، والعودة من الحجّ إلى مكة المكرمة، وغير ذلكَ.
كلمة اجْتِمَاعِيّ: مَنْسُوبة إِلَى الاجْتِمَاعِ، يُقَالُ: اجْتِمَاعِيٌّ بِطَبْعِهِ: أي لَهُ فِطْرَةٌ تَمِيلُ إِلَى مُعَاشَرَةِ النَّاسِ فِي الْمُجْتَمَعِ والاخْتِلاَطِ بِهِمْ. والاِنْسَاِنُ كَائِن اِجْتِمَاعِيٌّ.
وأما المجتمع: فهو مجموعة من الأفراد تقطن على بقعة جغرافية معينة، محددة من الناحية السياسية، ومعترف بها، ولها مجموعة من العادات والتقاليد، والمقاييس والقيم، والأحكام الاجتماعية، والأهداف المشتركة المتبادلة التي أساسها الدين، واللغة، والتاريخ، والعنصر.[دراسات إسلامية في التربية وعلم الاجتماع، قسم الدعوة والثقافة الإسلامية لجامعة أم القرى]
- أسس بناء المجتمع: لا بد لكل مجتمع من أسس يبنى عليها، وتكاد تكون هذه الأسس مشتركة بين المجتمعات كلها، والمجتمع الإسلامي مثل غيره من المجتمعات لديه أسس عامة قام عليها ونشأ.
1- الإنسان؛
2- الروابط الاجتماعية التي قد تكون علاقات اجتماعية، مثل الصداقة والمصاهرة والقرابة والجوار؛
3- الضوابط الاجتماعية؛
4- الأرض. - الهَدفُ مِنْ إقامةِ هَذِه الْمُنَاسَبَاتِ الدِّينِيَّةِ: إن الهدف الأصلي السَّامي من وراء إقامة هذه المناسبات الدينية يكمُن فِي إظهار الفرح والسرور والبهجة، والتوسعة والتفريح، وإقامة شعائر الله تعالى العظيمة شكرا له، وتوعية المشايخ أتباعهم دينيا، ولكن لُوحظَ أن جُلَّ السنغاليين طفقُوا يحوّلونها إلى فرص لتبذير الأموال.
- أشْكالُ المُشاركةِ فِي الْمُنَاسَبَاتِ الدِّينِيَّةِ: إنَّ المشاركة في هذه المناسبات باب من أبواب التعاون على البر والتقوى، بشرط أن تكون خالية من المحذورات الشرعية، وتكون بأشكال مختلفة، ومنها: المشاركة بالدَّعم المعنوي بالحضُور والكلمة الطيبة، أو بالدعم المالي بتبادل الهدايا والمساعدات التي تجلبُ المودة وتزيل العداوة، وصنع الطعام، ولاسيَّما لأهل الميِّت. ومن صُوَر الدعم المعنوي زيارة المريض التي تظهر جليا فِي القصة التي ذَكرها أنس بن مالك – رضي الله عنه -، قائلا: “كانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النبيَّ – صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -، فَمَرِضَ، فأتَاهُ النبيُّ – صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ – يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقالَ له: أسْلِمْ، فَنَظَرَ إلى أبِيهِ وهو عِنْدَهُ فَقالَ له: أطِعْ أبَا القَاسِمِ – صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -، فأسْلَمَ، فَخَرَجَ النبيُّ – صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ – وهو يقولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ”. [رواهُ البخاري في صحيحه الرقم: 1356] وإجابة دعوة الداعي حقٌّ من الحُقوق الشرعية الواجبة المتبادلة بين المسلم وأخيه؛ لأنَّ اللهَ يقُول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [سورة الأنفال: 24]، وروى أبو هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أنَّه سَمِعَ من رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: “حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ”. [متفق عليه]، وفِي رواية لمسلم: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: “حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَال: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ”. [رواه مسلم] إن هذه الحقوق العظيمة، والآداب الرائعة التي تبدأ بالسلام من أول لقاء في هذه الحياة، وتنتهي بالوداع الذي لا لقاء بعده إلا في الآخرة لهي في الحقيقة جسور عظيمة، تزرع المحبة في القلوب، وتبني أروع العلاقات الأخوية المستمرة بإذن الله.
ولا يكون المسلم متطفّلا وهو الرجل الذي يأتي إلى الولائم والمَجالس ونحوها دون أن يدعى إليها.
- من آداب المشاركة في المناسبات الدينية أو الاجتماعية: جعل الإسلام آدابا للمشاركة في المناسبات الدينية أو الاجتماعية، بُغية تحقيق الهدف المراد منها، ومن أبرزها:
1- إخلاص النية لتكون سببا في نيل الأجر والثواب؛
2- التحلي بالأخلاق الحميدة، نحو حسن المعاملة، والابتسامة؛
3- تجنب المخالفات الشرعية التي قد تحدث في بعض المناسبات، مثل: مخالطة الأجنبيات بالرجال، وتجاوز الحد في الإسراف؛
4- مراعاة آداب الزيارة في المناسبات كلها عند الدخول، أو الجلوس، أو الخروج؛
5- المحافظة على الأوقات؛ لكيلا تكون المشاركة سببا في ضياع الأوقات الكثيرة على حساب الواجبات الدينية والأسَرية والدراسية وغيرها؛
6- إجابة الدعوة وتقديم الاعتذار عند عدم تمكُّن من الحضُور، واقبَلْ مَعاذير منْ يأتيك معتَذرا.
7- تفقُّد أحوال الفقراء والمحتاجين، وجبرُ خواطرهم، ومراعاةُ مشاعرهم. [يراجع: مادة التربية الإسلامية، للصف الثامن، الفصل الأول: آداب المشاركة في المناسبات الاجتماعية، المنهج الجديد: 2022م – إعداد وتقديم: أ. عبد القادر يونس] - أهمِّيةُ الْمُنَاسَبَاتِ الدِّينِيَّةِ في الحياة: إنَّ أصل البعد الاجتماعي للمناسبات الدينية يرجعُ إلى هَاتين الآيتين فالأولى قوله تعالى الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، والثانية قوله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سُورة المائدة (2)] وقد يكون التعاون بقضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما يتيسَّر مِن عِلْم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة أو غير ذلك. وأما التعارف فهو أول مرحلة من مراحل بناء الحب؛ حيث يجدر بالحريص على بناء العلاقات أن يتعرف على من حوله، وأن يمد معهم جسورا من العلاقة الجيدة التي تقود بإذن الله – تعالى ـ إلى احتواء أحبابه، واصطفائهم متعبدا بذلك الله – تعالى -.
إن لكل مجتمع عادات وتقاليد تجاه المناسبات التي تحمل بين طياتها فوائد كثيرة كما تحتوي على أضرار وخيمة وسلوكيات غير صحيحة، ومن أهميتها ما يلي:
1- تلعب المناسبات الدينية دورًا حيويًا في تشكيل وتعزيز هُويّة المجتمعات، وتؤدي إلى تبادل المشاعر واحتكاك الناس بعضهم لبعض؛
2- وسيلة من الوسائل الاجتماعية للترفيه عن النفس؛
3- وسيلة لتقوية روابط المحبة والتآلف بين الناس؛ حيث تجمع بين أفراد المجتمع، مما يعزِّز روحَ التواصل والترابط بينهم فيتجاوزا عن الاختلافات؛
4- تُساعد المشاركُ عَلى التعرف على أشخاص آخرين لهم طبائع وسمات تختلف، وبذلك يتعلم فن التعامل مع الآخر مهما كان مختلفا معه، كما تعلمه تقبل الآخر؛
5- فرصة لذكر سِيَر السّلف الصَّالحينَ والاعتبار بسِيرهم، واقتفاءُ آثارهم أولئك الذين بذكرهم تنزل الرحمة، وقد لفت الله عز وجل في كتابه العزيز إلى أهمية القصص والاتعاظ بأحوال السابقين، فقال: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سُورة يوسف: 111]، ويقول وهو يخاطبُ الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعد تذكيره بعدد من الرسل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [سُورة الأنعام: 90]؛
6 – فترة صالحة لتجديد صلة الأتباع بالشيوخ، بالإضافة إلى الدعاء للموتى وطلب المغفرة لهم، والدُّعاءُ من الأمور التي ينتفع بها الميت كما قال الشيخ الخديم – عليه أكبر رضوان الباقي القديم – في منظومته “مسالك الجنان في جمع ما فرقه الديماني”:
إذ الدُّعَا يَنفعُ ميْتا فِي القُبور = وينفعُ الحَيَّ ويوجِب الأجُور
ويقول – رضي الله عنه – في رسَالة عَزاء ونصح كتبها قبيل الغيبة البحرية لمُريده آمدُ مخُريجَ جُوب الجِلمخي بعد وفاة أُمِّهِ السَّيدة خُريج فال (khouréda fall) وهو يأمره فيها بالدعاء والتصدق عن والدتهِ: “فَالْيَوْمَ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الدُّعَاءُ لَهَا وَالتَّصَدُّقُ عَنْهَا مَا دُمْتَ حَيًّا”؛
7- فرصة كبيرة للتأمل والتفكير في القيم والتعاليم الدينية، مما يساهم في تعزيز الأخلاق والسلوكيات الإيجابية؛
8- أنها تحمل بين طياتها قيمًا عميقة وروحًا تكافح من أجل تحقيق التفاهم والسلام والتسامح بين أفراد المجتمع، سواء كانوا من نفس الديانة أو من خلفيات دينية متنوعة؛
9- فرصة سانحة لإحياء صلة الرحم بين الأقارب عن طريق عقد الاجتماعات العائلية، وتقوية العلاقات الاجتماعية أو روابط الأخوة الدينية بالمعنى العام والأخوة النسبية بالمعنى الخاص، وهي الصلات التي تربط كل فرد من أفراد الأسرة، وكل أسرة بأسرة، وكل بلد ببلد، وفي آخر الدائرة تربط المسلم بالمسلم في أي مكان من الأرض، حيث يقول تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء: 1]؛
10- تجسّدُ وتُعزّز روح التضامن والتَّعاون على البر والتقوى في المجتمعات حين يشارك أفرادُها الآخرين أفراحَهم وأحزانَهُم ويتبادلون معهم الهدايا الرمزية كما يتبرع البعض بالدَّم، ويقوم بعض الأطباء بالفحص الطبي مجانا؛
11- تعتبر ملتقى وموسما لإطعام الطعام للفقراء والمساكين والمحتاجين؛ الأمر الذي يعدُّ سببا في نيل الأجر والثواب، ولله درُّ الشاعر أبي العلاء المعري حين قال مشيرا إلى أن الله تعالى جعل الناس يخدم بعضهم بعضا:
النَّاسُ للنَّاسِ مِن بَدوٍ وَحَاضِرَةٍ = بَعضٌ لِبَعضٍ وإِن لَمْ يَشْعُرُوا خَدَمُ
وهذا معنى قول العلامة ابن خلدون – رحمه الله تعالى – : “[الإنسان] مدني بالطبع، ومحتاج إلى من يتبادل معه المنافع، ويتعامل معه، والمجتمع يخدم أفراده بعضهم بعضًا وإن لم يشعُروا بذلك أحيانًا”. [ينظر: محاضرة تحت عنوان: (المواسم الدّينية في السّنغال وكيف نستفيد منها): للمحاضِرين: المفتّش شيخ امباكي انيانغ والأستاذ شيخنا امباكي عبد الودود، بتصرُّف يسير]
فهاك مثالا للتوضيح فإنَّ المُريدين لم يكونوا يجتمعُون في طوبى للاحتفاء بالمكال شُكرَا لله تعالى، بل كان كل واحد يبقى في محل إقامته مُنذ عهد شيخنا الخديم الذي بدأ بنفسه إحياء هذه الذّكرى وعهد خليفته الأول الشيخ محمد المصطفى امباكّي – رضي الله عنهما – الذي كان يحتفل بليلة عشرين محرم في كل سنةٍ.
وفِي مطلع خِلافة الإمام الشيخ مُحمد الفاضل امباكي – رضي الله عنه – صدر إذن منه يأمُر سائرَ المُريدين أن يحتفلُوا بِذِكرى مُناسبة الغيبة البحرية في مدينة طوبى المحروسة في 11 جانفي 1947م، ولذلك يُعتبر هذا الخليفة أول من دَعا المُريدين للاجتماع في هذه المَدينة لتَخليدِ ذكرى هذه المناسبة السَّعيدة لأسباب عديدة نذكر منها ما يلي على سبيل التمثيل:
1- ليكُون الاجتماع فُرصة سَانحةً لمُدارسة أحوال وشؤون المُريدين ومُعالجةِ قضايا الطَّريقة المُهمة بصفة خاصّة وقضايا المسلمين بصفة عامة؛
2- لتبليغ رسَالة الخليفة العام المشيّعة بالتَّوجيهات والارشاداتِ إلى أبناء الطريقة كافة والعَالم بأسره؛
3- للتواصُل والتعارفِ ولتوطيد العلاقات الاجتماعية والدينية حيثُ يحضر في طوبى جم غفير من مختلف الأنحاء؛
4- ضرورة التجمع لجمع الهدايا والتبرعات لإكمال بناء المسجد الجامع في طوبى.
- من أضرار الْمُنَاسَبَاتِ الدِّينِيَّةِ: لهذه المناسبات الدِّينية أو الاجتماعية أضرار، ومنها ما يلي:
- الإيذاء للآخرين، وإزعاجهم باستخدام مكبِّرات الصوت أو آلات تصدر أصواتا عالية، والحوادث، بالإضافة إلى الأصوات التي تطلقها أبواق السيارات مما يلحقُ الضَّرر بالآخرين والمسلم حقا هُو من سلم المسلمون من لسانه ويده.
- الإسراف والتغالي في الإنفاق بإهدار أموال طائلة من دون حاجة في الأعراس والمآتم وغيرهما في المأكولات والمشروبات وفي الملابس الفاخرة ونحوها تفاخُرا وطلبا للشّهرة والسّمعة، ومجاراة للناس حينا آخر حتى يؤدي إلى استدانة مبلغ كبير من المال لإقامة هذه المناسبات الدينية أو الاجتماعية، والله عزَّ وجلَّ يقول في هذا السياق: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [سورة الأعراف:31]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [سورة الإسراء: 27 – 28]، وعَنْ عَبدِالله بُنُ عمرو – رَضِيَ الله عَنْهُما – قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (كُلوا واشرَبوا وتَصدَّقوا والْبَسوا ما لم يخالِطْهُ إسرافٌ أو مَخيَلةٌ)[صحيح ابن ماجه: 2920] وقد ذكرَ الأخُ أبو البركة بوسو – حفظه اللهُ – أنَّ العلامة الشيخ الحاج امباكي بوسُو – رضي الله عنه – نظمَ قصيدته الرائعة “بنِي بَلَّ” رافضا في ثناياها جُملة وتفصيلا لحادثة الولائم الثلاث الشهيرة التي أقيمت بمدينة جُوربل أثناء الإقامة الجبرية للشيخ الخديم – رضي الله عنه – بُغية التفاخر وعرض العضلات، وما حدثت خلالها من التباهي واللعب بمكتسبات الشيخ الخديم المؤسس…، وكلها تُنافي مع المبادئ الأساسية للدين الإسلامي الحنيف، والإنسانية السامية، حيث قال في مطلع هذه القصيدة مرشدا وناصحا، أمينا لعشيرته الأقربين:
بنُو “بَلَّ” وَابن البنتِ نَجل جنيب = رَكضتُم بسوق الفَضل كلّ نجيب إلى أن قال:
فإن ترشدوا يرشُد فئآم برشدكم = وإن تعكسوا يفسُد ألوف ضُروب وكما قال – رضي الله عنهُ – في ختام بعض ما كتبه للهُجوم على أنواع الفساد التي وصفها بقوله: “لهو ليسَ بالحلال، وإسراف في نفائس الأموال، ومخالطة الأجنبيات بالرجال، وما ينشأ عنها من الوبال…”. وأكد تأكيدا صَريحا عدم مُداهنته، فقال: “أقولُ قولي ولا أبالي بما سيرمى علي من الحجارة، أومن يغلظ علي من قبائح العبارة، إذ لا يُخالفني فيه من الأصحاب، ولا يجنح إلي العتاب إلا أحد الرجلين: رجُل يداهن في أمره، أو رجل يتهاون في دينه، وبئس الرفيقان، وخاب الفريقان، أما أنا فلا أرضى أن أكون عند ظهور البدعِ رابع الثلاثة، إذ لا يعجزني أن أكون أدناهم … اللهم إن هَذا منكر فأنكرناهُ، ولا نرضى ولا نرضى، ثم لا نرضى حتى لا نرضى”. هذا، بالإضافة إلى إلقاء خطابات عاطفية طائشة مفضية إلى التفاخر بالأنساب والرمم البالية في بعض المناسباتِ الدينية، وكذلكَ ترويج أو إشاعة قِصصٍ واهية مع إبداعِ غَرائب عَجيبة لا أساسَ لها من الصِّحة ولم ينزل الله بها من سُلطانٍ، والإفراط فِي التِقاط صور محرمة فيها وخُصوصا النساء اللاتي يظهرهن جَمالهن ومفاتنهن، وما جرى مجراها، وقديما قالوا: “مَنْ يصلح الملح إذا الملح فسد؟!!”.خاتمة:
وفي خاتمة المطاف نقول حَان أوان الرُّجوع إلى مراعاة المقاصدِ السامية التي كان السَّلف السابقون يحيون هَذه المناسباتِ الدينية من أجلها، وعَليه لا بُدَّ مِنْ مراعاة تلكم الضوابط الشَّرعية التي وضَعها لِمَنْ يُحيِيهَا. حرر في أوائل شهر ذي الحجة 1445 هجرية وأواسِط يونيو 2024 ميلادية
الهوامش:
١- محاضرة ألقيتها لمؤسسة البسملة التي تضم أحفاد سرين امبسوبي بوسو وسرين سا بوسو خلال اجتماعهم العام في منزل الشيخ محمد الفاضل امباكي المخصَّص لأسرة سخن حواء بوسو – رضي الله عنهم – في يوم الأربعاء 12 من شهر ذي الحجة 1445ھ = 19 يونيو 2024م.