
بقلم الأخ سرين امباكي جوب خضر الطوباوي خريج معهد الدروس الإسلامية ومدرس اللغة العربية والعلوم الإسلامية في معهد الخليل الإسلامي
إنَّ مما لا يرتابُ فيه أحدٌ أنَّ أبا المحامد شَيخنا الخديم – رضي الله عنه – كان يعتني بعِلم التوحيد عناية فائقة بَعد طُول البَحث والتنقيب فِي تُراثه الأصيل التي خلَّفه نقفُ عَلى مُصنفات عَديدةٍ ومنظومات التي نَظمها لانقاذ الجيل من الشِّرك الأكبر والأصغر فِي هذا الجانب وكان يَعتمد على العقيدة الأشعرية السَّائدة في السِّنغال آنذاكَ.
ومن الجدير بالذّكر هنا أنَّ بَعضها يَكون كتابًا مُستقلاً وبعضها يُوجد في كتبه التي تعالج أقسام الإسلام الثلاثة: الإيمان والإسلام والإحسان، ويُوجد بعضها في مواضع مُنتشرة من رسَائله وفتَاويه.
وهَا أنا أذكر لكَ ما حَضرني من أسماء تواليفهِ في هذا الفنِّ: مَواهبُ القُدوس في نظم نثر شَيخنا السَّنوسي، وجَذبة الصغار عن لعب لخِدمة المختار، والخدمة المطهرة، وفَتح الفتاح العليم الخَبير في بث علم يؤدي إلى الأجر الكبير، وفَيضُ الغني المُغني في نَظم ما عن السُّلوك يُغني، وجَالبة السَّعادة، وجمع المقامات التي فَر إليها القَوم في شَرح قصيدة " لا تأخُذه سنة ولا نوم "، وفيضُ العَليم الخَبير الوحيد فيما لا يستغنى عنه من التوحيد، ومَواهب القُدوس في نَظم ما نَثره السَّنوسي الذي يتضمن الصفات الواجبة والمستحيلة والجَائزة في حقِّ اللَّه وفِي حَق الرسل، وغَيرها . (1).
و مما يصدّقُ اهتمامه بالتوحيد قول المصنِّف الشيخ العلامة محمَّد عبد الله بن عبيد الرحمان العلويّ الشنقيطي في كتابه” النَّفحات المسكية في السيرة البكية “:” وأكثَر ما صنَّف فيه مَدحُ رسُول الله – صلى الله عليه وسلم ، ثم التصوفُ، والتوحيدُ، ثم الفقهُ ثم النحوُ ، قال في كتابه المسمَّى بـ(فتحِ الكافِي الباقي المُميتِ في صَرف توجُّه كلّ مبارز يمُوت) لما استشهدَ بقوله- صلى الله عليه وسلم – : (( يكُون في آخِر الزمان عبَّادٌ جهَّالٌ وعُلماءُ فُسَّاقٌ)): ” ولهذا الحديثِ صرفتُ بعضَ مكاتيبِي إلى العلوم الشرعية، وبعضَها إلى العلوم الحقيقةِ ، وإن كانت كُليتي في خِدمة رسُول الله – صلى الله عليه وسلم -” [2].
ولا غَر في ذلك لأنه قال في قَصيدته (نور الدارين) :
أسكِن عَقائدي فِي التوحِيد = ولتُحي بِي طريقة الوَحيد
وقال أيضا:
دينِي تَوحيدُ الإلهِ النَّاس = بسُنَّة المَاح مُنى الأناس
أليسَ أبو المحامِد الشيخ الخديم- عليه أسنَى الرضى من الباقي القديم- هو القائل:
مَنْ ظَنَّ غَيْرَ اللهِ يُغْنِي أَوْ يَضُرّْ = فَذَاكَ فِي الدَّارَيْنِ ذُو كَدٍّ وَضُرّْ
الضُّرُّ وَالنَّفْعُ مِنَ الرَّحْمَانِ= لَيْسَا مِنَ اْلبِيضَانِ وَالسُّودَانِ
الضُّرُّ وَالنَّفْعُ مِنَ الجَبَّارِ = لَيْسَا مِنَ اْلفُجَّارِ وَالْأَبْرَارِ
الضُّرُّ وَالنَّفْعُ مِنَ اْلوَهَّابِ = لَيْسَا مِنَ الْأَعْدَاءِ وَالْأَحْبَاب
وقال الشيخ الخديم خديم النبي الإكليل الكريم – عليه رضوان الباقي القديم -:
يَدي لمُغن كريم نافع صَمد = لا للدراهيم تأتي من سُليطينِ
مَد يدِي لغير ذي الجلال = عندي من الضلال والإضلال
فإن شَددوني ذو حُطام بُويبَه = فحسبي باب الله بَابا ومولجا
وله أيضا:
لَسْتُ أخَافُ ضٌرَّ خَلْقِ بَعْدَمَا = فَوَّضْتُ أمْرِيَ إلَى رَبَّ السَّمَاءِ
ومن رَوائع العبد الخَديم – عليه أسنَى رضوان الباقي القَديم – الذي يعتبر من أبرزِ الموحِّدين الخالصينَ المُخلصين فِي تَوحيدهِم قوله فِي قصيدةٍ مُطرزة بـ”قل هو الله أحد الله الصَّمد…”: [من الرجز] التي مطلعها:
قَوليَ لا إلهَ إلا اللهُ = مُحمدٌ أرسلهُ الإلهُ
وفيها يقُول:
لهُ السَّموَاتُ والأرضُونَ وَما = بَينهُما مما بَدَا أو كُتمَا
لهُ تعَالَى العرشُ والكُرسيُّ = والشَّمسُ والقَمرُ والدُّريُّ
هُو الَّذِي خَلَقنا وأرسَلاَ = بِوَحْيهِ إلى الجَميعِ الرُّسُلاَ
دَخلتُ فِي الدَّارينِ فِي صَاد الصَّمدْ = مُحتَجبًا بحفظِ ربِّيَ الأحدْ
لِلصَّمدِ الفَردِ الذي لمْ يلدِ = وليسَ مَولُودًا أَمِيلُ مقصَدِي
يَا ربِّ قَدْ أسلمتُ نفسِي فِي الأحدْ = لكَ هُنا بقُل هُو اللهُ الأحَدْ
وَجهتُ للهِ الكَريمِ الْوَاحدِ = وَجْهيَ كَيْ أشْكُرَ بالقَصائِدِ
لَسْتُ أخافُ غَيرَ ربيَّ ولاَ = أرجُو سِواهُ وَهْو حَسْبِي مَوئلاَ
مَنْ ظَنَّ غَيْرَ اللهِ يُغْنِي أَوْ يَضُرّْ = فَذَاكَ فِي الدَّارَيْنِ ذُو كَدٍّ وَضُرّْ
يَقينيَ اليقينُ أنْ أُشركَ بهِ = شيئا فَكلُّ مُشرِكٍ لمْ يَنتَبِهِ
نزَّهنِي ربِّي عَن الشُّكوكِ = فِي أنَّه مُملِّكُ المُلُوكِ
لهُ المُلوكُ وَلهُ الأتباعُ = ذَلَّ لهُ التَّابعُ والمُطاعُ
هُو الإلهُ الوَاحِدُ القَهّارُ = وَمَالكُ المُلُوكِ والجبَّارُ
أعبُدهُ ولا أزالُ أشْكُرهْ = وَأترُكُ الميلَ إلَى مَنْ يَّكفُرهْ
وقال في قصيدته “منور الصُّدور “:
فكلُّ منْ رأى سِوى اللَّه الأحدْ = في أيِّ شَيء فكَافرٌ جحَدْ
فَكلُّ مَن رآهُ فِي كُلِّ ليَادْ = جادَ له بأفضَل أيَادْ
إذا أمعنتَ النَّظر بِدقةٍ وتأنٍ في الأبيات السَّالفة تفهمُ منها بأنه كان مُوحِّدا خَالصا فِي تَوحيده يَرى اللَّه تعالى فِي كلّ شَيء قولا أو فعلاً، ولم يكتفِ بذلك بل كان يَدعو النَّاس إليه، ويعدّه من أفضل العلوم في الإسلام وأشرفِه والأجدَر بِتعلُّمه، كما قال في قصيدته المقيدة بـ(اللَّه محمد):
أدعُو إلى إلَه بالتوحِيد = و ما رأيتُ عَنه من مَحيدِ
قال البحرُ الخضمُ والبطلُ المغوار الصِّنديدُ المقدام الشيخ أحمد بامبا- رضي الله عنه-:
وأفضلُ العلُوم بالاطلاقِ = توحيدُ ربنا بلا شقاقِ
وقال في كتابه” منور الصُّدور لدى المنَازل وعِند الدُّور ” :
هَذا، وخَيرُ العلم يَاذَوي العقُول = علمٌ مُقربٌ لمَن منه النقُول
كالعَقد والفِقه وكالتَّصوف = وكُلِّ عِلم بمنافعَ يَفِي
وقال أيضا في مَنظومته المشهورة بـِ” مَغالق النيران ومفتاحِ الجِنان “:
وليَعلمنْ كلُّ ذكيٍّ وبليدْ = أنَّ الذي يُخالفُ الحَقَّ طريدْ
والحقُّ بدءُ العَبدِ بالتوحيدْ = والفِقه عن تصَوُّف مُجيدْ
مُنتَهجًا مَذهبَ أهل السُّنه = معَ الجمَاعة، وتلك الجُنَّه
وكان يقول: (( أعلى المقاماتِ عند الله فِي هَذا الزمان إسكانُ التَّوحيد فِي القلبِ، الحقُّ يرتفع برفع الرَّافع إلى أعلَى الدَّرجات فِي عليين، والباطل ينخفضُ بخفضِ الخافض إلى أَسفل الدَّرك من النَّار )) [يراجع: المجموعة المشتملة على ووصايا وأجوبة الشيخ الخديم وفتاويه رضي الله عنه، وأيضا ” حِكمة الشيخ أحمد بامبا”].
وكان يُحذِّر المُريدين أكتَعين من مُساكنة غَير الله تعالى في قُلوبهم ظاهرا وبَاطنا حِرصًا على التوحيد خوفًا من الشِّركِ، كما قال:
واحذَر -رعاكَ اللَّه- أن تُساكنا = غيرَ الجليلِ ظاهرا وبَاطنًا
وكان العبد الخديم والنَّدب الكريمُ- رضي الله عنه- يقول:
لقنَني الحُجَّة ذُو الكَلام = بلا جِدال وبلا مَلام
إلى فُؤادي يسكُن التوحيدُ = ولسِواه ينتَحي الجُحودُ
لا ينتَحي إلى لسَاني الكَذب = وينتَحي الصِّدق له وينجَذب
وكان يقول :” فإن توجّه إليكم من يُريد المراء والجِدال، فإن كنتم على الحق فلا تجيبُوه، وإن لم تكونوا عَلى الحق، فتوبوا إلى عالم الغيب والشهادة يَتُبْ عليكم ويستر عوراتِكم ” وافعلوا الخير لعلكم تفلحون”. [المجموعة المشتملة على ووصايا وأجوبة الشيخ الخديم وفتاويه رضي الله عنه]
يجب على كل من يدعي الانتماء بالمُريدية التي أسّسها أبو المحامد وَالمعَارف أن يعرف بأن الله سُبحانه وتعالى جَعله مُعجزة من المُعجزات وأنَّ له مكانة عَظيمة عند مَولانا الكريم، بَيد أنَّ هَذا لا ينبغِي أن يُفضي إلى تفضيله عَلى جميع الأنبياء والمُرسلين أو اتخاذه إلها معبُودا خَوفا من الوقُوع في شَرك الشِّرك بالله تعالى العظيم أوالخروج مِن ملّة دين الإسلام.
وفي هذا المضمار يقول المفتش عبد الأحد لوح - حفظه الله تعالى- : " ما من مريد إلا ويتربع الشيخ الخديم على قلبه حبا واحتراما، إلا أنَّ الاختلاف يكمن في مكانته الدينية عند المريدين؛ فإذا كان الإصلاحيُون لا يترددون في تبرئة الخديم مما برأ به نفسه من التفاضل مع مخدومه - صلى الله عليه وسلم-، فإن المحافظين الجامدين يغامرون أحيانا بمحاولة قلب الحقائق وجعل الخادم فوق رتبة المخدوم! وقد برزت في هذا السياق مصطلحات لست متحققا من مضمونها عند مُرَوِّجيها، إلا أن صداها مما يزعج عقيدة التوحيد التي دافع عنها الشيخ الخديم طيلة حياته. ومن ذلك " kennal Serigne Touba ذلك المصطلح الذي لا أجد له ترجمة دقيقة إلا " توحيد الشيخ الخديم" وفي ذلك ما فيه من عدم الدقة وسوء التأدب مع تعاليم الشيخ. أما المنحرفون فإن اهتمامهم بتسليط الأضواء على الأهمية الدينية لذواتهم وعلى ترويج انحرافاتهم، يُعمي أبصَارهم عن غير ذلك ! [3]
وهذا، يمكن أن نخلص بأنَّ الشيخ الخَديم كان يعبدُ ربّه خوفا وطعما ويُوحّده تَوحيدا خَالصا في جميع مراحل حَياتهِ، ويُدعو النَّاس إليه ظاهرا وباطنا بلا شكّ وبلا جدالٍ ويُربيهم هُو نفسه عَلى إجلال الله العلي القَدير وتعظيمهِ حَقّ التعظيم.
أيُّها الجَاهل الغبيُّ المُفتري على شيخنا الخديم الذي كان موحِّدا خالصًا في تَوحيدهِ بافتراءات شنيعة التي لم ينزل بها الله من سُلطان ألم يَأنِ لكَ أن تتُوب تَوبة نصُوحا إلى الله تعالى قبل أن تَهوي في مهاوي الرّدى والهلاك ؟!! ومن صعَّد النَّظر إلى قصائده وصوَّبَها يَكتشف أنهُ بريئ بَراءة الذّئب من دَم ابن يعقوب من المُشركين الظالمين الأغبياء الذين يُحاولُون إطفاء نُوره السَّاطع فِي سَائر أرجاء العالم وتَشويهَ صَفو تَعاليمهِ النَّيرة التي تَعتمدُ على سَاقي الكتاب والسُّنة مباشرة أو غير مُباشرة. ولهذا أُناشد البَاحثين الغَيورين على التراث الخَديمي أن يقُوموا ببُحوثٍ علمية أصيلةٍ تقع تَحت عُنوان"عناية الشيخ الخَديم الهجِيد بتَوحيد ربِّ العبادِ والبلاد- رضي اللَّه عنه -" لإفحَام بعضِ المُحاضرين الجَاهلين أو المُتجاهلين الذين يُشوّهون عَقيدتنا - نَحنُ المُريدية - لانحِرافهم عَن الصِّراط المُستقيم قبل أن يبلغ السَّيل الزُّبى.
وقديما قال – طيّب الله ثراه – :
توفيقُ حافظ حَماني عن وهم = وعن شُكوك وافتراء وتُهم
وقال أيضا فِي قصيدة مطرزة بحروف العذبلة:
برأني القدوس عن كلِّ دنس = وعند خيرِ الخلقِ جاوزتُ أنس
وقال أيضا في قصيدته المطرزة بـ(صفر همسش) :
برأني القدوسُ عن كل تُهم = وصَانني الخبيرُ عن كلِّ وهَم
وخير مَا نختم به هذه التوضيحات والإرشادات قوله – رضي الله عنه -:
يَا ربِّ نَجنا من الشيطان = وجَورة الجِيران والسُّلطان
وكل نافثٍ عَلى العقود = وظالم وعابد حسود
وطارق ذِي طرق تَضليل = وكلّ تلميذ وذي البلِيل
فبِدعآء يصرفُ البلايَا = وبِرجآء يوجَد العطايا
سُبحان ربّك رب العزّة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.
نشر في تاريخ يوم الأحدِ 02 أفريل 2017م/ 04 رجب الفرد 1438ه .
[1] انظر مواهب القدوس في نظم نثر شيخنا السنوسي دراسة وتحقيق: دائرة روض الرياحين، ص: (47- 48) بتصرف.
[2] لقد قام بتحقيق الكتاب ودراسته الباحثان الجَليلان مُحمَّد بمبَ درامي وأبو مَدين شعيب تياو المطبوع بمطبعة المعارف الجديدة – الرباط – 2016م /1437ه.
[3] يُراجع مَقالته القيّمة تحت عُنوان” تيارات متدافعة !! التي حَررها في طوبى يوم الجمعة 22 من ذي القعدة 1437 ه / 26 أغسطس 2016م