مقال : هل سنقبل أن تكون الحرب في السودان قضية منسية ؟وقفة مع ما يحدث في السودان

0

بقلم الصحفي السنغالي يوسف ٱن

هل سنقبل أن تكون الحرب في السودان قضية منسية ؟
وقفة مع ما يحدث في السودان

كان السودان أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة حتى عام 2011 سنة تقسيمها، كما تعتبر حاليا ثالث أكبر دولة في القارة السمراء.
وهي دولة تتمتع بوفرة الأراضي الصالحة للزراعة؛ حيث تبلغ مساحتها أكثر من مليون كيلومتر مربع، وإلى جانب ذلك فهي تطلّ على نهر النيل مما يوفّر لها كمّية كافية من المياه، وينضاف إلى هذه الموارد الطبيعية ووفرة المناجم؛ الذهب، النحاس، ألماس، الحديد …. وغيرها.

لكن، ورغم وفرة هذه الموارد الطبيعية التي تعتبر أهمّ لبنة لإنعاش اقتصاد بلاد ما، إلا أنّ التاريخ السياسي العويص للبلاد جعل سكان هذا القُطر يعيشون تحت خط الفقر، بسبب الحروب الداخلية التي يشهدها البلاد تقريبا منذ استقلالها عام 1956؛ حيث كانت البلاد مسرحا للانقلابات العسكرية والحروب الأهلية ما أفضى إلى تقسيمها عام 2011 بعد استفتاء شعبي إلى قسمين ( جنوب السودان، وعاصمتها جوبا، وشمال السودان وعاصمتها خرطوم).

وفي إقليم دارفور وعاصمته ( الفاشر ) يشهد المواطنون أبشع أنواع الجرائم ضد الإنسانية من قتلٍ وأسرٍ وتشريدٍ واغتصاب…. وما شابهها، وكل هذا يحدث وسط تعتيم إعلامي كامل، وصمت إقليميّ ودوليّ مخز.
فلقد وثّقَ تقريرُ مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان 19 أيلول/ سبتمبر2025 أنه خلال الفترة من 1 كانون الثاني/يناير إلى 30 حزيران/يونيو، وثّقت مفوضية حقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 3384 مدنياً في سياق النزاع، معظمهم في دارفور، تليها كردفان ثم الخرطوم. يمثل هذا الرقم نحو 80% من مجموع الضحايا المدنيين (4238) الذين تم توثيق مقتلهم خلال عام 2024 بأكمله. ويُرجَّح أن يكون العدد الفعلي أعلى بكثير.

وقعت 70% من هذه الخسائر في الأرواح (2398) أثناء الأعمال القتالية، إذ واصلت أطراف النزاع شنّ هجمات في مناطق مكتظة بالسكان باستخدام القصف المدفعي والغارات الجوية والطائرات المسيّرة. العديد من الهجمات الرئيسية كانت ذات حصيلة بشرية مرتفعة على نحو خاص. ففي نيسان/أبريل، أدى هجوم شنّته قوات الدعم السريع على الفاشر ومناطق أخرى بشمال دارفور إلى مقتل ما لا يقل عن 527 شخصاً، بينهم أكثر من 270 في مخيمي زمزم وأبو شوك للنازحين. وفي آذار/مارس، أسفرت غارات جوية شنّتها القوات المسلحة السودانية على سوق تورة في شمال دارفور عن مقتل ما لا يقل عن 350 مدنياً، بينهم 13 فرداً من أسرة واحدة.

وترجع أسباب هذه الصراعات إلى النزاعات الشديدة التي تدور بين القوتيْن المسلحتَين ( الجيش الوطني برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، و مليشيات قوات الدعم السريع برئاسة محمد حمدان دَقْلو المعروف ب (حِمِيدْتي)؛ حيث يتنازع الفريقان للتربع على عرش الحكم.

وتجدر الإشارة إلى الجيش الوطني هو السلطة الرسمية المعترفة بها دوليا، بينما قوات الدعم السريع ليس إلا مليشيات مرتزقة أنشأها الرئيس السابق المخلوع ( عمر البشير) لتحييد الثورات التي اندلعت في البلاد فترة حكمه، بعد ما رأى أن الجيش قد استنزف طاقته في الحروب الأهلية التي دارت أكثر من عشرين سنة في البلاد، ورأى أن لا مناص له من تجنيد مرتزقة لإخماد نيران هذه الثورات.
ولمّا نجح المليشيات في هذه المهمة قرّبهم الرئيسُ إليه ومنحهم مزايا واسعة، على مستوى الموارد الطبيعية للبلاد مكّنتهم فيما بعد – بعد سقوط نظام البشير – من مجابهة الجيش الوطني للمطالبة بشرعيتهم على الحكم.
والغريب في الأمر أنّ قوات الدعم السريع التي ترتكب هذه المجازر ضد المدنيين تدّعِي حمايتَهم، بل وتُضفي طابع الشرعية على نفسها؛ حيث تطلق على ضحاياها ب(الشهداء)، ويهتفون باسم الإله قبل رمي طلقاتهم وأثناء سبْيِ النساء وأسر الرجال.

وإذا كانت قوات الدعم السريع تمتلك كل هذه القوة التي تمكنها من خوض المناورات العسكرية مع الجيش منذ أبريل 2023 حتى تمكن من السيطرة والاستيلاء على عدة مدن في البلاد فحريّ أن يتساءل المرء من أين لهذه الفرقة المتمردة هذا العتاد ؟.

لا شكّ أن دولةَ كَسُودان التي مرّت على حروب داخلية منذ أكثر من ثلاثة عقود لا يمكن أن تنشأ فيها قوة موازية للجيش تمتلك هذه الكمية الهائلة من الأسلحة المتطورة دون دعم خارجيّ.
ولتوثيق هذا الدعم الخارجيّ نستحضر كلمة الدكتور الحارث إدريس سفير السودان لدى الأمم المتحدة الذي يتهم الإمارات بتمويل الدعم السريع نقلتها وكالة الأنباء السودانية “سونا” بتاريخ 13 مارس 2025 «إننا نملك كل الوثائق التي أعدّتها دوائر البحث والتحقيق، ورفعنا شكوى مأسسة إلى مجلس الأمن تتضمن 74 صفحة…. إن الإمارات مدانة هي التي تهدر دماء السودانيين وتقتلهم بهدف الحياز على ثروات السودان»
وفي تصريح آخر أمام مجلس الأمن نقله وكالة الأنباء السودانية 30 أكتوبر 2025 أكد السفير أمام رئيس المجلس ( سيدي الرئيس لا توجد حرب أهلية في السودان، بل هي حرب عدوان تشنها الإمارات عبر وكيلها الإقليمي ( الدعم السريع) ».
وقد توجد إلى جانب الإمارات دول أو جهات أخرى تدعم قواة الدعم السريع لرعاية مصالحها في السودان.

وهذه التدخلات الخارجية مما يزيد على المسألة تعقيدا يفرض علينا التساؤل… إلى متى سينعم الشعب السوداني بالأمن والأمان ؟؟

Leave A Reply