ورقة بحث بعنوان : التعايش السلمي من منظور قرآني وتاريخي : أهل الذمة نموذجا

0

مساهمة الإمام حسن سيك في الدورة الحادية عشرة التي تنظمها مجموعة منهاج السنة النبوية تحت شعار: المناهج القرآنية.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي جعل الإسلام يتميز بنصوص تهدف إلى توحيد الخلق وإشعارهم بالأخوة الإنسانية المؤدية إلى السلام والتعايش والوئام بين جميع الأقوام.
ثم الصلاة والسلام على نبي الإسلام وسيد الأنام الذي جسد في أقواله وأفعاله، أرقى نماذج التعايش والسلام.
أما بعد، فإن من الخصائص المميزة للإسلام على الصعيد النظري والتطبيقي، الدعوة إلى المسالمة والمعايشة السليمة والاعتراف بالكيان المادي والمعنوي لمختلف الأديان والجماعات.
وهذه الحقيقة راسخة في نصوص الإسلام وتطبيقاته التاريخية حتى شهد لها كثيرون من عير المسلمين. بل إننا لنجد عالما غربيا ذا شهرة عالمية، يتعرف بأن من الأسباب التي دفعته إلى اعتناق الإسلام: تسامحه تجاه أبناء الأديان الأخرى. وهذا العالم هو فانسان مونتي الذي كان أستاذا للغة العربية والتاريخ الإسلامي في جامعة باريس. وفي ذلك يقول: ’’ لقد اخترت الإسلام لأنه دين الفطرة، اخترته دينا ألقى به وجه ربي، ومن أسباب إسلامي تسامح الإسلام تجاه أبناء الأديان الأخرى.1’’
وإنني لأشكر الإخوة المنظمين لهذه الدورة أعمق الشكر وأصدقه وأخلصه بتشريفهم البالغ لي بدعوتي للمساهمة في هذه الطاولة المستديرة تحت محور: التعايش السلمي من منظور قرآني. ومن المعلوم أن التعايش السلمي في الإسلام باب واسع جدا، فهنالك:
-تعايش سلمي على مستوى الأسرة، أساسه بر الوالدين وحسن المعاشرة بين الزوجين وقيام الوالدين بواجباتهم في النفقة والتربية على أسس الرحمة والعطف والحنان بالأولاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الفصل الرابع تحت عنوان: الحوار والمعايشة السليمة من كتابي: الانتصار لدين النبي الأمي على الحوار المسيحي الإسلامي، دار المقطم للنشر والتوزيع، 1ص302. وانظر كذلك، الدكتور شوقي أبو خليل، تسامح الإسلام وتصعب خصومه، من منشورات كلية الدعوة الإسلامية، ص121.
-تعايش سلمي بين الجيران والأصحاب والخلان على أساس حسن الجوار وبقية الأخلاق الإسلامية الجميلة المؤدية إلى التعايش السلمي.
-تعايش سلمي بين مختلف الطوائف والجماعات الإسلامية والمشارب الروحية المختلفة مثل الصوفية والسلفية. وأسس هذا التعايش ترجع إلى مراعاة أدب الاختلاف والحفاظ على الحرمات والوفاء بتكاليف الأخوة العامة بين جميع المسلمين.
-تعايش سلمي على المستوى العالمي بأمور منها الوفاء بالعقود كما يدعو إليه القرآن الكريم، وتغليب الروح الأخلاقية على المصالح الضيقة والتعاون على مكافحة الإرهاب والظلم والجور بمختلف الأنواع.
وحرصا مني على عدم التشتت في مختلف الاتجاهات والمجالات، رأيت أن أحصر مساهمتي هذه حول: التعايش السلمي من منظور قرآني وتاريخي، أهل الذمة نموذجا.
وهدفي من المساهمة هو إبراز رسوخ التعايش السلمي في الإسلام، على الصعيد النظري التطبيقي، مع أهل الذمة، وكذلك بقية الأديان.
وتدور هذه المساهمة حول الجوانب التالية:

أولا\ تحديد المفاهيم
أ-مفهوم التعايش
جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة لأحمد مختار عمر في مادة (عيش) أن كلمة تعايش ترجع إلى معان منها:
-’’ العيش على الألفة والمودة’’
-’’ تعايش الجيران: عاشوا على المودة وحسن الجوار’’
-’’ تعايش الرفيقان في غربتهما على الألفة.’’
-’’ تعايشت الدولتان: تعايشا سلميا’’
-’’ التعايش السلمي بين الدول: الاتفاق بينهما على عدم الاعتداء.’’
أما معنى التعايش من حيث الاصطلاح، ورد أيضا في المعجم السابق الذكر، أنه يعني:’’ عيش مشترك بين أقوام يختلفون مذهبا أو دينا، أو بين الدولة ذات مبادئ مختلفة.’’
وهناك من عرف التعايش على أنه: ’’ القبول بوجود الآخر والعيش معه جنبا إلى جنب دون سعي لإلغائه أو الإضرار به، سواء كان هذا الآخر فردا أو حزبا سياسيا أو طائفة دينية أو دولة مجاورة أو غير ذلك.’’2
ب-مفهوم كلمة السلم
إن من معاني كلمة السلم في اللغة ما يلي: الإسلام والصلح والمسالم تقول: أنا سلم لمن سالمني. والسلم أيضا هو السلام بمعنى: السلامة والاستسلام كما أنه اسم من التسليم ومن أسماء الله تعالى3.
بالنظر إلى معاني كلمة السلم فإن وصف (السلمي) يكون مؤكدا لمعنى التعايش

ج-مفهوم كلمة أهل الذمة
سبق أن حاولت تعريف أهل الذمة على أنهم’’ أهل الكتاب الذين يعيشون في ذمة الحكم الإسلامي على أساس دفع الجزية التي ترفع عنهم الزكاة والخدمة والعسكرية.’’ 4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر سلسلة أوراق ديموقراطية تصدر عن مركز العراق لمعلومات الديموقراطية.
التعايش في ظل الاختلافات ص58، العدد الثاني، حزيران 2005 م
ثانيا\ التعايش السلمي مع أهل الذمة من منظور قرآني
إن القرآن الكريم قد وضع أسس التسامح والتعايش مع الجميع على أسس كثيرة وكفيلة بتحقيقهما منها البر والقسط ومراعاة العدل في جميع الأحوال مع جميع الناس، والإيمان بتكريم الله سبحانه وتعالى لكافة بني الإنسان، وبأن تعدد الأديان والملل واختلاف الناس إلى أمم وشعوب وقبائل للتعارف والتعايش، يجب اعتبارها سننا لن تتغير ولن تتبدل.
وهذه الأسس العامة للتسامح والتعايش السلمي، تحتضن بسماحتها الحانية جميع الطوائف بمن فيهم أهل الكتاب أو أهل الذمة، بالإضافة إلى آيات قرآنية وردت، خصيصا، لدعوة المسلمين إلى التزام السلوكيات وأخلاق إيمانية وأوامر قرآنية من شأنها غرس روح التعايش السلمي معهم.
من هذه الأوامر القرآنية
أ-وجوب إيمان المسلمين بجميع الأنبياء والرسل الذين يؤمن بهم أهل الكتاب، مع الإجلال والتعظيم واتبارهم عبادا لله صالحين ومطهرين ومعصومين، وكذلك الإيمان بجميع الكتب التي أنزلها الله على أنبيائهم في صورها الأصلية. وردت آيات قرآنية كثيرة حول هذا المشترك العقدي بين المسلمين وبين أهل الكتاب.
ومن هذه الآيات قوله تعالى: قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (136)’’ 5

ب-إباحة أكل طعام أهل الكتاب والتزوج بنسائهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 محمد بن أبي بكر ابن عبد القادر الرازي: مختار الصحاح، تحقيق محمود خاطر، مكتبة ليبان، ناشرون، بيرت 1960م، باب السين. 4 انظر كتابي “مصدر سابق”
من المعلوم أن الاجتماع على أكل طعام واحد وعقد عصمة الزوجة من ألصق الممارسات الإنسانية صلة بالتعايش السلمي القائم على مشاطرة مشاعر الألفة والعيش المشترك.
وعن إباحة هذين الأمرين الهامين، يقول الله تبارك وتعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُم وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ والْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتِ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ خَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِ الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ’’ (5)6
ج-الأمر بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن.
يقول الله تبارك وتعالى في القرآن العظيم: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…’’7
إن هذا الأمر بالمجادلة بالتي هي أحسن عبارة عن توجه خلفي إنساني عام يهدف إلى ترسيخ هذابة تتنافى مع المعاملة بالتي هي أخشن وتدعو إلى التعايش السلمي.
والمحاسنة والمسالمة لا إلى المحاربة أو المخاشنة إلا إذا كانت المبادأة بالمحاربة أو المكايدة الخفية أو المعلنة من الآخر.
بسبب مثل هذه الأوامر القرآنية ضرب المسلمون صورا في التسامح والتعيش السلمي تشكل تحديا للآخرين على أن يأتوا بمثلها من خلال نصوصهم الدينية ووقائعهم التاريخية.
ثالثا\ التعايش السلمي مع أهل الكتاب في النصوص الإسلامية الأخرى التابعة للقرآن الكريم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5 سورة البقرة، 136 6 سورة المائدة،5 7 سورة العنكبوت، 46
إن القرآن الكريم هو المصدر الأول للإسلام، وتتلوه السنة النبوية الشريفة التي تأتي شارحة أو مبينة أو مجسدة لما في القرآن الكريم، كما قال الله تبارك وتعالى في حق نبيه الكريم:
’’…وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ’’ 44. 8
وبعد القرآن والسنة، تأتي بقية المصادر التشريعية الفرعية مندرجة تحت إحالاتهما.
وتجسيدا للهدى القرآني في الدعوة إلى ما يؤدي إلى التعايش السلمي مع أهل الذمة، وردت نصوص إسلامية كثيرة نذكر منها ما يلي:
أ-في السنة النبوية الشريفة
وردت نصوص كثيرة في السنة النبوية لعدم روح التعايش السلمي مع غير المسلمين كعهد يسأل عنه المسلمون يوم القيامة.
من هذه النصوص: قوله صلى الله عليه وسلم:’’ ألا من ظلم معاهدا أو انتقص حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة.’’ 9
وجاء في كتابه صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران – كما هو في كتاب الخراج لأبي يوسف:
’’ ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد صلى الله عليه وسلم على أموالهم وأنفسهم وأرضهم وملتهم وغائبهم وعشيرتهم وبعيهم وكلما تحت أيديهم من قليل أو كثر لا يغير أسقف من أساقفتهم ولا راهب من رهبانهم، ولا يحشرون ولا يعشرون ولا يطأ أرضهم جيش، ومن سأل منهم حقا وبينهم النصفة غير ظالمين ولا مظلومين.”10
ب-في معاهدات المسلمون:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
8 سورة النحل، 44 9 اخرجه أبو داود وإسناده جيد
-العهدة العمرية لأهل إيليا “بيت المقدس”
وهذا نصها:
” بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى أمير المؤمنين أهل إيليا من الأمان. أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صلبانهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحدا منهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين.
شهد على ذلك خلد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب وحضر سنة خمس عشرة” 11
-معاهدة أبي عبيدة لأهل الشام:
لقد عاهد أبو عبيدة أهل دمسق واشترط عليهم حين دخلها على أن تترك كنائسهم وبعيهم.12
ج-توصيات المسلمين تجاه أهل الذمة
على الرغم من أهل الذمة لا يشاطرون العقيدة مع المسلمين، فإن توصيات الخلفاء والأمراء تترى في الحض على التعايش السلمي معهم ومعاملتهم بالعدل والإحسان.
فمن هذه التوصيات:
وصية سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه:
كتب رضي الله عنه بسعد ابن أبي وقاص: ” ونح منازلهم وجنودك عن قرى أهل الصلح والذمة، فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق بدينه، ولا يرزأ أحد من أهلها شيئا، فإن لهم حرمة وذمة ابتليهم بالوفاء بها.”13
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
10 الدكتور عبد الله ناصح علوان، الشباب المسلم في مواجهة التحديات، ص188، وكذلك الإمام حسن سيك، مصدر سابق، ص 97
11 ابن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، الجزع 3، ص 309. 12 أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، الخراج، ص80
-وصية الحسن البصري رضي الله عنه:
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري يستفتيه:” ما بال الخلفاء الراشدين تركوا أهل الذمة وما هم عليه من نكاح المحارم واقتناء الخمور والخنازير؟ فأجابه الحسن البصري: “إنما بذلوا الجزية ليتركوا وما يعتقدون وإنما أنت متبع لا مبتدع.”14
-وصايا الفقهاء:
قال شهاب الدين القرافي، الفقيه المالكي: ” إن عقد الذمة يوجب حقوقا علينا لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا وذمتنا وذمة الله تعالى وذمة رسوله ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أخدهم أو أي نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله وذمة رسوله وذمة الإسلام.”
رابعا\ نماذج رائعة للتعايش السلمي مع أهل الذمة في ظل سماحة الإسلام
بفضل الأوامر القرآنية في الدعوة إلى التعايش السلمي، جسد المسلمون في هذا الباب صورا لا تضاهيها في الروعة والعظمة إلا النصوص والتعاليم التي صاغت عقليتهم وغرست فيهم مواقف إنسانية نبيلة كانت بمثابة غرة ناصعة البياض في جبين التاريخ الإنساني. فنحاول أن نذكر عينات من هذه الصور على النحو التالي
أ-معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل أهل الكتاب معاملة اجتماعية راقية تشكل نبراسا للمسلمين في المعاملة لغيرهم. فهو صلى الله عليه وسلم يشيع جنازاتهم ويخضر ولائمهم ويعود مرضاهم ويقترض منهم حتى توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند بعض اليهود في المدينة مع أنه كان في المسلمين من يفديه بنفسه قبل ماله، لكنه استدان من اليهود تآلفا معهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
13 نهاية الأوروب، مجلد 6، ص169 14أبو الأعلى الندوي، حقوق أهل الذمة في الدولة الإسلامية، ص18
ب-قمة يرتقيها عمر رضي الله عنه، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة
لما طعن سيدنا عمر رضي الله عنه، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، لم يفته بأن يوصي بأهل الكتاب قائلا: “فإنهم ذمة نبيكم” وأبى أن يصلي داخل كنسية، دعي للصلاة فيها لألا يقال: هنا صلى عمر فيجب أن يكون مسجدا! وخرج وصلى بجوار تلك الكنيسة حيث بنى مسجد يحمل اسمه ويخلل سماحته وتعايشه السلمي.
ج-رسالة أهل حمص إلى المسلمين
أورد هذه الرسالة توماس أرنولد في كتابه’’ الدعوة إلى الإسلام” وهذا نص الرسالة: “يا معشر المسلمين، أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، وأنتم أوفى لنا وأرأف بنا وأكف عن ظلمنا وأحسن ولاية علينا، ولكنهم – الروم – غلبوا على أمرنا ومنازلنا.”15
د-محمد الفاتح بعد فتح القسطنطينية
يقول صاحب الكتاب السابق الذكر عن معاملة محمد الفاتح لنصارى القسطنطينية بعد فتحها:
’’ ومن أولى الخطوات التي اتخذها محمد الفاتح بعد سقوط القسطنطينية وإعادة إقرار النظام فيها، أن يضمن ولاء المسيحيين بأن أعلن نفسه حامي الكنيسة الإغريقية فحرم اضطهاد المسيحيين تحريما قاطعا ومنح البطريق الجديد مرسوما يضمن له ولأتباعه ولمرؤوسيه من الأساقفة حق التمتع بالامتيازات القديمة والموارد والهبات التي كانوا يتمتعون بها في العهد السابق. وقد تسلم جنادييوس، أول بطريق يعد الفتح العثماني، من يد السلطان نفسه، عصى الأسقفية التي كانت رمز هذا المنصب، ومعها كيس يحتوي على ألف دوكة ذهبية”16
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
15 توماس أرنولد، إلى الإسلام، دار النشر، مكتبة النهضة المصرية، ص 168
ه-من مواقف علماء المسلمين في الدفاع عن أهل الذمة
أظهرت التجربة التاريخية أن وفقها الإسلام وعلماءه كانوا يعتبرون الدفاع عن أهل الذمة والتعايش السلمي معهم، من المسائل الصميمية التي لا يجوز التساهل فيها.
فهذان مثالان يشهدان:
-لما عزم السلطان العثماني سليم الأول على إجبار البلغار والأرمن على اعتناق الإسلام أو الخروج من مملكته، وذلك لأنهم كانوا يشكلون مشاكل وقلاقل لدولته، ولكن لما بلغ هذا القرار شيخ الإسلام’’ زنبيلي على أفندي” عارضه أيما معارضة وقال له: وليس لك على اليهود والنصارى إلا الجزية، وليس لك أن تزعجهم عن أوطانهم. فتراجع السلطان عن هذا القرار امتثالا لإرادة الشرع.”17
-لما غزا التتار بلاد المسلمين وأسروا كثيرين من المسلمين والنصارى، ثم انقلب الوضع، فتغلب المسلمون عليهم واعتنق ملك التتار الإسلام، دخل شيخ الإسلام أحمد بي تيمية، رحمه الله، ليطلب منه إطلاق الأسرى، فسمح له بفك أسرى المسلمين وأبى أن يطلق سراح الأسرى من أهل الذمة. عندئذ قال له شيخ الإسلام:’’ لا بد من فك الأسرى من اليهود والنصارى، لأنهم أهل ذمتنا، فأطلقهم بناء على مطالبته.18
سادسا\ الختمة
من خلال ما سبق يتضح، جليا، اعتراف الإسلام على الصعيد النظري، ممثلا في نصوص القرآن الكريم والنصوص الأخرى التابعة له، وعلى الصعيد التطبيقي، بواسطة الممارسات المتسامية جدا للتعايش السلمي؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
16 توماس أرنولد، مرجع سابق، 171 17 الدكتور عبد الله ناصح علوان، مرجع سابق، ص 191

بشعائر أهل الكتاب وشرائعهم ومشاعرهم الخاصة بهم مهما كانت مصادمة ومخالفة لمثيلاتها السائدة لدى المسلمين في مجال العقائد والانكحة والأشربة والأطعمة وغيرها وإن الاعتراف بذلك هو مقتضى مراعاة جوار الله وذمة محمد صلى الله عليه وسلم وإنه هو الاتباع الذي كان يتواصى به الأئمة المسلمون الذين يمثلون أصالته وإن هذا التسامح كان سبب اعتناق الإسلام لاحد مثقفي الغرب وهو ونسان مونتي.
ولا شك أن هذا الأفق السامي للتعايش لو اقترب منه عالما المعاصر لأصبح التعايش حقيقة مطبقة في أجمل صوره أكثر من كونه شعارات براقة ترفع في عالم ملئ بعدم الاحترام، والاعتراف بأمور كثيرة من صميم شعائر المسلمين وشرائعهم ومشاعرهم. فعلى سبيل المثال، كم بلد تشرع فيها القوانين لمحاربة الحجاب الإسلامي أو تعدد الزوجات مع مالهما من الفضل في القضاء أو التقليل من ظواهر اجتماعية خطيرة وكثيرة وضارة مثل الانوسة أو التبرج. ومثال اخر صارخ يتمثل في منع المسلمين من بناء المآذن في بعض الدول إلى غير ما هناك من الأمور التي إذا أخذت بعين الاعتبار لا يمكن إلا أن تذكرنا بقول هذا الشاعر:
ملكنا فكان العدل منا سجية ** ولما ملكتم سأل بالدم ابطح
ابحتم قتل الاسارى وطالما غدونا** على الأسرى نمن ونصفح
وحسبكم هذا التفاوت بيننا **وكل اناء بما فيه ينضح

#دكارنيوز

Leave A Reply