كتب / أ.مور لوم
ترأس فخامة رئيس الجمهورية، السيد بشير جوماي جاخار فاي، يوم الخميس الماضي، الحفل الرسمي لإطلاق المشاورات حول الأجندة الوطنية لتطوير التعليم العالي والبحث والابتكار – ANTESRI 2050، وذلك في مركز عبده ضيوف الدولي للمؤتمرات (CICAD). وقد شكّل هذا الحدث انطلاقة فعلية لمسار إصلاحي طموح يهدف إلى إعادة بناء منظومة التعليم العالي في السنغال على أسس حديثة، عادلة، وسيادية.

وفي مستهل كلمته، قال رئيس الجمهورية:
“بعد خمسة وسبعين عامًا من الاستقلال، حان الوقت لأن نتخيّل جامعة سنغالية حديثة، منفتحة على التحولات العالمية، لكنها متجذّرة في واقعنا الاجتماعي والثقافي والاقتصادي.”
وقد شهد هذا اللقاء حضورًا رفيع المستوى ضمّ أعضاء من الحكومة، وممثلي السلك الدبلوماسي، وشركاء تقنيين وماليين، وجامعيين، وطلابًا، وفاعلين في المجتمع المدني.
تقييم صريح للواقع الجامعي
قدّم الرئيس تقييماً صريحًا وشجاعًا لحالة التعليم العالي في البلاد، مشيرًا إلى جملة من التحديات التي تعرقل أداء الجامعات السنغالية، من أبرزها: ضعف البنية التحتية، والنمو المتسارع في أعداد الطلاب، وتقادم المناهج الدراسية، ومحدودية الموارد المالية، والتأخر في التحول الرقمي ،وعدم الاستقرار المزمن للتقويم الأكاديمي.

وفي هذا السياق، أوضح الرئيس أن تأخر الروزنامة الجامعية يُكلّف الدولة أكثر من 40 مليار فرنك أفريقي سنويًا، أي ما يعادل 400 مليار خلال العقد الماضي، معتبرًا هذا الوضع غير قابل للاستمرار. وأعلن عن إطلاق خطة طوارئ وطنية للبنية التحتية الجامعية، تنفيذًا لتوجيهاته الصادرة خلال مجلس الوزراء بتاريخ 27 نوفمبر 2024.
تحرير التعليم العالي وتحقيق السيادة المعرفية
وأكد الرئيس أن إصلاح التعليم العالي يجب أن ينطلق من “تحريره من القوالب الجاهزة وإعادة تركيزه على واقعنا وهويتنا”. وشدّد على ضرورة إدراج التعدد اللغوي في المناهج، وإيلاء اللغات الوطنية والأفريقية المكانة التي تستحقها، إلى جانب الفرنسية والإنجليزية، مشيرًا إلى أن “المعرفة الأصلية التي طال تهميشها يجب أن تستعيد موقعها داخل المحتوى التعليمي”.
ووصف هذا التوجه بأنه “عمل سيادي في ميدان المعرفة والثقافة، يعزز استقلالنا الحضاري ويكرّس خصوصيتنا الفكرية.”
ملاءمة التكوين مع حاجيات التنمية
وأبدى الرئيس أسفه حيال الفجوة المتزايدة بين التكوين الجامعي واحتياجات الاقتصاد الوطني، مؤكدًا أن المناهج الحالية لا تتماشى مع الركائز الأربع لأجندة التحول الوطني. وأضاف: “مؤسساتنا تُخرّج عددًا محدودًا من كبار الفنيين والمهندسين، وعددًا أقل من المتخصصين في مجالات العلوم والتكنولوجيا. هذا الوضع يُشكل عائقًا حقيقيًا أمام تحقيق أهدافنا التنموية.”

الرقمنة والابتكار: رهانات المستقبل
وأكد الرئيس أن التعليم العالي يجب أن يكون رافعة للسيادة الرقمية والابتكار، داعيًا إلى تكوين أجيال من الكفاءات في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والروبوتات، وعلوم البيانات، والواقع الافتراضي.
كما أشاد بإنجازات السنغال في مجال التكنولوجيا، لا سيّما إطلاق أول قمر صناعي سنغالي في أغسطس 2024، واصفًا ذلك بـ “البرهان الساطع على ما يزخر به وطننا من طاقات مبدعة تتطلع بفخر إلى المستقبل.”
العدالة الجغرافية والعدالة في الفرص
وفي إطار سعيه لتعزيز العدالة الإقليمية، أعلن رئيس الجمهورية عن إنشاء ثمانية مراكز جامعية إقليمية جديدة، مؤكدًا: “نريد تعليمًا عاليًا شاملاً، لا يستثني أحدًا، أينما كان. فالتعليم حق، وفرصته يجب أن تكون متاحة بالتساوي للجميع.”
كما دعا إلى “تنقّل مؤسسي للأساتذة والباحثين” لضمان جودة التكوين في مختلف الأقاليم.
وختم الرئيس كلمته بالإعلان عن تعيين البروفيسور بوبكر جوب منسقًا عامًا للجنة التوجيهية للمشاورات، قائلاً:
“أعلم أنني أستطيع الاعتماد على خبرتك الأكاديمية المتميزة، وتجربتك النقابية، وقبل كل شيء، شغفك العميق بخدمة إفريقيا.”
نحو سنغال المعرفة والسيادة
يشكّل مشروع ANTESRI 2050 رافعة استراتيجية تهدف إلى جعل التعليم العالي السنغالي أداة للسيادة، ومحرّكًا للابتكار، ووسيلة لتحوّل اجتماعي عادل، في انسجام تام مع رؤية السنغال 2050.