تأثير التغير المناخي على نهر النيل في العقد الأخير

0

كتب – عبد العزيز اغراز

 مقدمة

يُعد نهر النيل شريان الحياة للعديد من الدول في حوض النيل، وخاصة مصر والسودان، حيث يعتمد عليهما أكثر من 95% من مواردهما المائية، في العقود الأخيرة، أصبحت قضية التغير المناخي من أبرز التحديات التي تواجه العالم، وتظهر آثارها بشكل جلي على الموارد المائية العذبة. يشهد حوض النيل، ومصر على وجه الخصوص، تداعيات متزايدة لهذه التغيرات، مما يثير مخاوف جدية بشأن الأمن المائي للمنطقة، يهدف هذا المقال إلى تحليل تأثير التغير المناخي على نهر النيل خلال العشر سنوات الماضية (2015-2025)، مع التركيز على التحديات التي تواجهها مصر والجهود المبذولة للتكيف مع هذه الظروف المتغيرة.

 التغيرات المناخية وتأثيرها على الموارد المائية في حوض النيل

تُشير التوقعات المناخية إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك حوض النيل، ستشهد مزيدًا من الجفاف وارتفاعًا في درجات الحرارة ، هذه التغيرات تؤدي إلى زيادة معدلات التبخر، مما يضع ضغطًا إضافيًا على الموارد المائية الشحيحة. وفقًا لبيانات البنك الدولي، شهدت مصر ارتفاعًا مستمرًا في درجات الحرارة منذ أواخر التسعينيات وحتى عام 2024، مع توقعات باستمرار هذا الاتجاه في المستقبل القريب .

تؤثر هذه الزيادة في درجات الحرارة بشكل مباشر على نهر النيل بعدة طرق:

  1. زيادة معدلات التبخر: ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة تبخر المياه من سطح النهر وبحيرة ناصر، الخزان المائي الاستراتيجي لمصر. تُظهر البيانات أن عدد الأيام الحارة (التي تتجاوز فيها درجة الحرارة 30 درجة مئوية) سيزداد بشكل ملحوظ في المحافظات المصرية بحلول عام 2039، مما سيسرع من معدل تبخر المياه
  2. تغير أنماط هطول الأمطار: يتوقع أن يؤدي التغير المناخي إلى تغيرات في أنماط هطول الأمطار في مناطق منابع النيل، مما قد يؤثر على كمية المياه التي تصل إلى دول المصب. قد تزداد حدة وتواتر الظواهر الجوية المتطرفة مثل الفيضانات والجفاف، مما يزيد من تعقيد إدارة الموارد المائية [water_crisis_egypt_climate_change.pdf, صفحة 36].
  • تأثير على جودة المياه: تُظهر الدراسات أن جودة مياه الأنهار تميل إلى التدهور خلال الأحداث المناخية القاسية، ومع ازدياد تواتر هذه الأحداث، قد تتأثر جودة مياه النيل .

 تأثير التغير المناخي على نهر النيل في العشر سنوات الماضية (2015-2025)

خلال العقد الماضي، بدأت آثار التغير المناخي تظهر بوضوح على نهر النيل. على الرغم من أن التأثيرات الفعلية لبناء سد النهضة وملئه لم تظهر بشكل كامل حتى الآن، فإن المؤشرات المناخية للسنوات المقبلة تُظهر أن التأثير قد يكون تدريجيًا ومتناميًا .

انخفاض حصة الفرد من المياه: شهدت مصر انخفاضًا حادًا في نصيب الفرد من المياه العذبة المتاحة سنويًا. ففي عام 2018، بلغ نصيب الفرد حوالي 550 مترًا مكعبًا سنويًا، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 330 مترًا مكعبًا بحلول عام 2050. هذا الانخفاض يعزى جزئيًا إلى الزيادة السكانية المستمرة، ولكن التغيرات المناخية تزيد من تفاقم هذه المشكلة من خلال تقليل كمية المياه المتاحة.

تأثير على الزراعة والأمن الغذائي: تعتمد الزراعة في مصر بشكل كبير على مياه النيل. يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وزيادة التبخر إلى زيادة الاحتياجات المائية للمحاصيل، مما يهدد الأمن الغذائي. تشير التوقعات إلى أن إنتاجية الهكتار من الأراضي الزراعية المروية قد تنخفض بنسبة 11%، وقد ينخفض إجمالي إنتاج الغذاء في مصر بنسبة 5.7% بحلول عام 2050 .

تحديات سد النهضة: يمثل سد النهضة الإثيوبي تحديًا إضافيًا للأمن المائي المصري، خاصة في ظل التغيرات المناخية. فمع تصاعد حدة الجفاف وتغير أنماط الأمطار في مناطق المنبع، يصبح التعاون بين دول الحوض أكثر أهمية، أي احتجاز إضافي للمياه في إثيوبيا، خاصة خلال فترات الجفاف الطويلة، سيؤثر بشكل مباشر على حصة مصر من مياه النيل].

ارتفاع منسوب سطح البحر: يؤثر ارتفاع منسوب سطح البحر، نتيجة لذوبان الجليد وتمدد المياه بسبب ارتفاع درجة الحرارة، على دلتا النيل. هذا الارتفاع يهدد بغمر الأراضي الزراعية الخصبة وتسلل المياه المالحة إلى الخزانات الجوفية الساحلية، مما يؤثر على جودة المياه العذبة المتاحة

 جهود التكيف والتوصيات

تدرك الحكومة المصرية خطورة هذه التحديات وتعمل على تنفيذ استراتيجيات للتكيف مع التغيرات المناخية وإدارة الموارد المائية بكفاءة أكبر. تشمل هذه الجهود:

تحسين كفاءة استخدام المياه: من خلال تحديث أنظمة الري واستخدام تقنيات الري الحديثة لتقليل الفاقد من المياه

معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي والزراعي: تهدف مصر إلى زيادة كميات المياه المعالجة وإعادة استخدامها لتلبية جزء من الاحتياجات المائية المتزايدة

تحلية مياه البحر: على الرغم من التكلفة العالية، تتجه مصر نحو زيادة محطات تحلية مياه البحر لتوفير مصادر مياه إضافية، خاصة في المناطق الساحلية.

*   تطوير البنية التحتية: بناء سدود جديدة وتطوير السدود القائمة لتحسين إدارة الفيضانات وتخزين المياه

لضمان الأمن المائي المستدام في حوض النيل، يوصى بما يلي:

  1. التعاون الإقليمي: تعزيز التعاون بين دول حوض النيل لإدارة الموارد المائية بشكل مستدام وعادل، خاصة في ظل التحديات المشتركة التي يفرضها التغير المناخي.
  2. البحث العلمي والتطوير: دعم الأبحاث العلمية المتعلقة بالتغير المناخي وتأثيره على الموارد المائية، وتطوير نماذج تنبؤية دقيقة للمساعدة في اتخاذ القرارات.
  3. التوعية والتثقيف: زيادة الوعي العام بأهمية ترشيد استهلاك المياه وتأثير التغير المناخي على الموارد المائية.

 الخلاصة

يمثل التغير المناخي تهديدًا حقيقيًا للأمن المائي في حوض النيل، وخاصة لمصر. خلال العشر سنوات الماضية، تفاقمت التحديات المتعلقة بندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة، مما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة. من خلال التعاون الإقليمي، والاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيا، وتطبيق سياسات مستدامة لإدارة المياه، يمكن لدول حوض النيل التخفيف من آثار التغير المناخي وضمان مستقبل مائي آمن للأجيال القادمة.

Leave A Reply