
كتب / الإعلامي محمدن ولد عبدالله مدير رياح الجنوب
من طريف ما يحكى بشأن هجرة اللبنانيين والسوريين إلى السنغال أن أصل وجودهم هناك يعود إلى قباطنة السفن التي كانت تمخر بهم عباب البحر إلى ريفيسك على الساحل الأطلسي للسنغال فقد كان القباطنة يقنعون الشوام على أنهم وصلوا شواطئ أمريكا الجنوبية وهي قصة موثقة،
حين يُطوِّقُ المحيطُ الأطلسي مدخلَ دكار، عند منطقة “بارنيي” في مقاطعة ريفيسك، وتضيق اليابسة بين شاطئَيْ البحر يمينا وشمالا -وهو مكان خاص في ثقافة السكان الأصليين – تكاد وضعية ريفيسك حينها تشبه عنق الزجاجة بالنسبة للعاصمة دكار .
ريفيسك، التي كانت فيما مضى مستعمرة برتغالية، ضمها الفرنسيون سنة 1859، وبفضل موقعها الجغرافي القريب من مناطق إنتاج الفول السوداني قرر التجار الأوروبيون والخلاسيون المقيمون في جزيرة غوري أن يجعلوا من المدينة مقرًا لمؤسساتهم التجارية، فبُنِيَت منازل ومستودعات ضخمة لتخزين البضائع، وكانت هذه المنشآت تحتل مساحات شاسعة من المدينة.
وبحلول مطلع القرن العشرين، أصبحت ريفيسك المركز التجاري الرئيسي في جنوب السنغال، وبلغ عدد سكانها حوالي 10,000 نسمة، كان الأوروبيون يشكلون نحو 10% منهم، وهي النسبة الأعلى بين البلديات الأربع الكبرى:” داكار، غوريه، روفيسك، وسانت لويس ” تلك البلديات التي كانت جزءًا فريدًا من التاريخ الاستعماري لغرب إفريقيا. فقد كانت أولى المدن التي حصلت على وضعية البلدية الكاملة الصلاحيات في ظل الإدارة الاستعمارية الفرنسية، وذلك منذ القرن التاسع عشر.
وقد منحها هذا الوضع نوعًا من الاستقلال الإداري بالإضافة إلى حقوق خاصة، حيث كان سكان هذه البلديات – المعروفون باسم الأصليين – يتمتعون بـحقوق مدنية وسياسية قريبة من تلك التي يتمتع بها المواطنون الفرنسيون، مع احتفاظهم في الوقت نفسه بوضعهم القانوني العرفي.
وقد تميزت هذه المدن بحيويتها الاقتصادية، ودورها الريادي في مجال التعليم، ومساهمتها الفعّالة في النضالات السياسية والنقابية التي ساهمت في تشكيل السنغال المعاصر.
وكان خط السكك الحديدية الواصل بين اندر وداكار يتوقف في ريفيسك، التي كانت تضم أيضًا مرسى للسفن. وقد أصبح هذا الميناء بديلاً لشحن الفول السوداني، كما تم تركيب الإنارة الكهربائية في المدينة سنة 1897.
وكان الفول السوداني، سواء في شكل أكوام ضخمة أو معبأ في أكياس، يهيمن على المشهد العام في المدينة خلال موسم الحصاد والتصدير، الذي يمتد من نوفمبر إلى مايو.
أما الحصن القديم الذي شيده الحاكم فيديرب على شاطئ ريفيسك، فقد تم تحويله إلى منارة. وكانت مهنة الصيد، التي يمارسها سكان المدينة من قبيلة ليبو، لا تزال ذات أهمية كبيرة في تلك الفترة.
في ريفيسك أُنشئت المحكمة الإسلامية القديمة بموجب مرسوم بتاريخ 29 يناير 1907.
وكانت محكمة إسلامية قد أُنشئت مسبقًا في روفيسك، كما في دكار، بموجب قرار محلي سنة 1862. غير أن مجرد قرار إداري كان يثير تساؤلات حول الصلاحية القانونية، نظرًا لأهمية هذه المؤسسة.
وكان أول رئيس لمحكمة روفيسك الإسلامية هو مَام تيابا نداي، وعيِّن عبد الكريم نداي نائبًا له، بينما كان مصطفى جوب كاتب المحكمة (أمين السر).
ريفيسك على الأرجح تحريف فرنسي لاسم برتغالي.
فمن المعروف أن البرتغاليين كانوا يستخدمون ريفيسك كمحطة للتزود بالمؤن، ولهذا فإن الاسم قد يكون في الأصل مشتقًا من كلمة “Refresco” (انتعاش أو استراحة)، وفي اللغة البحرية، يشير “الرفريشكو” تحديدًا إلى محطة التوقف التي ترسو فيها السفن لراحة الطاقم، وكذلك إلى المؤن التي يتم شراؤها خلال هذه التوقفات.
أما بالنسبة لاسم المدينة باللغة الولوفية “تِنْگيْج” (Tëngéej)، فيرى المؤرخ “لورينزو إيطاليا ” أن أصل الكلمة يعود إلى “تِنْگ” (Tëng) التي تعني “فرس” و“گييْج” (Géej) التي تعني “البحر المحيط”.
وثمة مسار آخر جدير بالاهتمام يشير إلى أن اللاحقة الولوفية “تين” (Teen)، والتي تظهر في العديد من أسماء الأماكن، تعني حرفيًا “نقطة الوصول إلى الماء”، أو””بئر” بالتوسّع في المعنى.”.
أنجبت ريفيسك الكثير من الأعيان في العلم والتصوف والسياسة والأدب وكان للموريتانبين حضور بارز في هذه المدينة السنغالية الشاطئية سيكون موضوع حلقتنا القادمة إن شاء الله..