عثمان سونكو: من الثورة الأخلاقية إلى بناء سيادة وطنية جديدة

0


في خطابه الأخير خلال المهرجان السياسي الذي نظمه حزب «باستيف»، قدّم السيد عثمان سونكو نصًّا سياسيًا يمكن وصفه بأنه بيان وطني جديد، يجمع بين الصرامة الأخلاقية والرؤية الاقتصادية، وبين الحزم في المحاسبة والحلم ببناء وطن قائم على التربية والسيادة والكرامة. لم يكن حديثه تكرارًا للشعارات، بل كان تجديدًا للفكر السياسي السنغالي من الداخل، إذ أعلن بوضوح أن زمن المجاملة والفساد قد انتهى، وأن عهدًا جديدًا بدأ عنوانه العدالة والمواطنة النزيهة.
منذ مستهلّ خطابه، حمّل سونكو النظام السابق مسؤولية ما سماه بـ«الخيانة العظمى»، بسبب الديون الضخمة التي تركها خلفه، مؤكدًا أن «أجيالًا من السنغاليين ستدفع ثمنها». لم يكن هذا التوصيف مجرد نقد مالي، بل قراءة أخلاقية للأزمة، لأن في رأيه الكذب على الشعب جريمة في حق الوطن. وأضاف أن تقييم الوضع بعد تولي السلطة كشف عن ديون خفية هائلة لم يُصارح بها الشعب، وأن هذا التلاعب بالحقائق لا يمكن أن يمرّ بلا حساب.
من هذا المنطلق دعا إلى حلّ حزب “التحالف من أجل الجمهورية” الذي حكم البلاد سابقًا، لأنه يتحمل – حسب قوله – المسؤولية الكاملة عن «الفظائع» التي جرت في إدارة المال العام، وطالب بسجن كل من نفى وجود تلك الديون الخفية. وهو بذلك لا يسعى إلى الانتقام، بل إلى عدالة تصون الحق وتعيد للسياسة معناها الأخلاقي. وكما قال: «نحن لا ننتقم، نحن نحاسب… لأن الانتقام ظلم، أما العدالة فإصلاح».
وفي سياق متصل، وجّه سونكو رسالة حازمة إلى من يحاولون زرع الشكوك بينه وبين الرئيس جوماي، مؤكدًا أن العلاقة بينهما مبنية على الثقة والمبدأ، وأن «من يسعى إلى خلق فجوة بيننا فليُرِح نفسه»، لأن النمّام — كما قال — «لا يشارك معنا في العمل السياسي». بهذه العبارة القصيرة، وضع حدًّا للجدل وأعاد تعريف معنى الولاء السياسي باعتباره التزامًا بالمشروع لا بالأشخاص.
كما أرسل رسالة ثانية داخل حزبه نفسه، متحدّيًا كل من يظن أن السياسة في حزب «باستيف» وسيلة للربح أو الارتزاق. قالها بوضوح: «السياسة ليست طريقًا للثراء، بل لخدمة المجتمع»، وأضاف أن كل من تلطخت يداه بالمال العام «سيُسجن بلا محاباة، مهما كان موقعه من الحزب أو قربه من السلطة». كانت هذه الكلمات إعلانًا صارمًا لمبدأ الشفافية والمحاسبة داخل الحزب قبل أن تكون خارجه، وتجسيدًا عمليًا لفكرته أن «النزاهة هي أساس السيادة».
في الجانب الاقتصادي، عرض سونكو رؤية واضحة لبناء اقتصاد تنافسي يعتمد على تعبئة داخلية حقيقية، معلنًا عن خطته لتجميع 10 آلاف مليار فرنك خلال ثلاث سنوات عبر ضرائب موجهة على الكحول والتبغ وقطاعات أخرى. هذه السياسة ليست مجرد إجراء مالي، بل خطوة رمزية نحو استقلال القرار الاقتصادي عن القروض الأجنبية والوصاية المالية. إنه يريد أن يقول للشعب: يمكننا أن نبني بمواردنا، وأن ننهض بإرادتنا.
أما البعد التربوي في خطابه، فكان جوهر رؤيته السياسية. فقد أكّد أن الاقتصاد لا ينهض إلا بوجود قوى عاملة ماهرة، وأن المهارة ليست مجرد تكوين مهني، بل تربية على الأخلاق، والجدّ، والانتماء للوطن. فمشروعه يتجاوز الحسابات المالية إلى بناء إنسان سنغالي جديد يؤمن بالعمل الشريف وبخدمة المصلحة العامة.
وحين تحدث عن حزب «باستيف»، وصفه بأنه حزب وطني أخلاقي لا مكان فيه للمتسلقين ولا للفاسدين، حزبٌ بعيد عن البذخ والرياء، يؤمن بأن السياسة مسؤولية تربوية قبل أن تكون إدارة للسلطة. إنه نموذج لحزب يسعى إلى إصلاح الذهنية السياسية في البلاد، لا إلى حصد المقاعد والمناصب.
إن ما يميّز عثمان سونكو حقًا هو أنه لا ينظر إلى نفسه كزعيم يبحث عن مجد شخصي، بل كمفكر سياسي يسعى إلى إحياء روح السيادة في القارة الإفريقية، بدءًا من السنغال. إنه أيقونة التقدّم والثورة الهادئة، زعيم يريد أن يرى وطنه يسير على قاعدة «جب جبل جبنت» — أي أن ينهض الشعب بنفسه ليبني بلاده بكرامة وإرادة.
وفي ختام خطابه، وجّه رسالة جامعة إلى كل السنغاليين: أن وقت بناء الوطن قد حان، وأن السيادة لا تُوهب، بل تُنتزع بالعمل، والتعليم، والأخلاق، وبالقطيعة التامة مع كل من يأكل من المال العام أو يستهين بكرامة المواطن. وهكذا يعلن عثمان سونكو أن الثورة الحقيقية ليست في الشارع فقط، بل في تطهير الضمير السياسي وإعادة توجيه الدولة نحو خدمة شعبها.
كولاك ٨ نوفمبر ٢٠٢٥م
عثمان سك سفير الأزهر

Leave A Reply