📍خطاب رئيس الجمهورية صاحب الفخامة بشير جوماي جاخار فاي بمناسبة الذكرى الحادية والثمانين لمجزرة تيارُوي في 1 ديسمبر 1944
-السيد رئيس جمهورية غامبيا، أخي العزيز آدام بارو،
-السيد نائب رئيس جمهورية كوت ديفوار،
السيد رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية توغو،
-السادة والسيدات رؤساء الوفود،
-السيد رئيس الجمعية الوطنية،
-السيد رئيس الوزراء،
-السادة والسيدات الوزراء وكتّاب الدولة،
-السادة والسيدات أعضاء السلك الدبلوماسي،
-السادة النواب المحترمون،
السلطات الإدارية والدينية،
-السادة والسيدات من أحفاد عائلات الرماة السنغاليين،
الضيوف الكرام،
أهالي تيارُوي الأعزاء،
السيدات والسادة،
في مستهل كلمتي، أود أن أحيّي وأشكر الرئيس أدام بارو على تفضله بمشاركتنا هذه الذكرى. كما أشكر رؤساء الدول والحكومات في كلٍّ من كوت ديفوار، وتوغو، والكاميرون، وجزر القمر، وجمهورية الكونغو، وموريتانيا، وتشاد، الذين أوفدوا وفوداً رفيعة المستوى، وكذلك جميع الدول الصديقة التي لبت دعوتنا.
إن حضوركم في تيارُوي ليس مجرد لفتة بروتوكولية، بل هو تعبير عن وعيٍ إفريقي يتجذر ويعلو، من خلال تاريخ مشترك يُعاد بناؤه، وإرادة جماعية لرد الحقيقة إلى شعوبنا بعد أن صودرت منهم طويلاً.
في هذا اليوم الوطني المخصّص للتأمل والذكرى، نجتمع على هذه الأرض الجريحة، أرض تيارُوي، لنؤكد أن الحقيقة لا تُمحى. فهي مهما طال الزمن، تنطق وتطالب بالعدالة.
وهذا هو معنى حضورنا هنا: لنكرّم ذكرى الرماة السنغاليين، أولئك الأبطال الأفارقة القادمين من آفاق متعددة، الذين ضحّوا بدمائهم من أجل تحرير فرنسا.
غير أنّ مصيرهم كان مأساويًا بعد انتهاء مهمتهم، إذ تعرّضوا للقتل الوحشي على يد الجيش الاستعماري، ولم يكن ذنبهم سوى مطالبتهم بحقوقهم المستحقة، وبصون كرامتهم، والوفاء بالعهود المقطوعة لهم.
وها نحن اليوم نكرّم تضحياتهم، ونؤكد أن نضالهم من أجل العدالة والكرامة سيبقى محفورًا في ذاكرتنا الجماعية.
وإن كانت المجزرة قد وقعت هنا على الأرض السنغالية، فإن الدم الذي سُفك كان دم إفريقيا. ومن ثمّ، فإن إحياء ذكرى مجزرة تيارُوي هو اعتراف بأن مصائرنا مترابطة، وأن هذه المأساة يجب أن تكون ركيزة للتضامن الإفريقي، وعمادًا للمستقبل الذي نصنعه معاً. وهو أيضًا تجديد لالتزامنا ببناء إفريقيا تتذكر ماضيها لتعيش حاضرها بوعي، وتنظر إلى مستقبلها بثقة.
أوجه تحية صادقة إلى لجنة الإحياء، وإلى المؤرخين والباحثين والفنانين، وإلى الجمعيات وكل من عمل — غالباً في الظل، وأحياناً رغم العوائق — لإعادة فتح هذا الملف الذي ظل مغلقًا طويلاً.
وبفضل جهودهم، تم استكشاف مسارات جديدة للبحث، وأمكن إضاءة الذاكرة المكبوتة لهذه المأساة بنور الحقيقة التاريخية بكل وضوحها.
كما أتوجه ببالغ الشكر إلى سكان تيارُوي، وإلى عائلات الضحايا، وإلى السلطات المحلية، وهم جميعًا حُرّاس أوفياء لهذه الذاكرة. فقد حملتم المشعل طيلة عقود، وضمانتم ألا تنطفئ شعلته ليبقى العالم متذكّرًا.
وأحيّي كذلك جيشنا الباسل، الوريث الشرعي لتاريخ أولئك الجنود الذين خدموا بشرف. فشكرًا لتفانيكم في صون هذه الذاكرة المشتركة.
السيدات والسادة، أيها الضيوف الكرام،
في العام الماضي، وبمناسبة الذكرى الثمانين، حققنا خطوة تاريخية. فقد استخدمت فرنسا، على لسان رئيسها، للمرة الأولى الكلمة الصحيحة: – ((مجزرة)) – هذه الكلمة، وهذا الاعتراف، أعادا إلى التاريخ جزءًا من الحقيقة التي حُجبت عنه.
واليوم، نلتزم نحن وإخوتنا الأفارقة بمواصلة هذا المسار من أجل الحقيقة والذاكرة. ويسرّني الإعلان عن صدور الكتاب الأبيض حول مجزرة تيارُوي بشكل رسمي.
وهذا الوثيقة الأساسية، ثمرة عمل علمي وتحقيق دقيق، تستند إلى الأرشيف والشهادات والأدلة المادية لإعادة تركيب الوقائع وإعادة الاعتبار للشهداء.
لقد أصبح الكتاب الأبيض مرجعًا لا غنى عنه لفهم قضية تيارُوي 44 . وهو يؤكد أن الذاكرة لم تعد مجالًا للإخفاء، بل فضاءً للعدالة وللإنصاف المعنوي ولإعادة البناء الجماعي.
ولكي تكون هذه الحقيقة مرئية وحاضرة في فضائنا كما في ضمائرنا، كان لي شرف وضع حجر الأساس لـ النُّصب التذكاري لمجزرة تيارُوي، الواقع بين المعسكر والمقبرة، جمعًا بين مكاني الحقيقة.
وسيكون هذا النصب أكثر من مجرد بناء حجري؛ إذ سيشكّل نواة لمجمّع تذكاري واسع يشمل ساحة للاحتفالات الرسمية، ومساحات تعليمية وثقافية موجّهة للشباب، وإقامات لاستقبال الباحثين من مختلف أنحاء العالم المهتمين بتاريخ الاستعمار وذاكرته.
وسيحوّل هذا النصبُ تيارُوي إلى مكان ذاكرة حيّ، ومنارة للحقيقة التاريخية، وحصن للمعرفة للأجيال القادمة.
وهو يعكس إرادتنا في تحويل الألم إلى قوة، والذكرى إلى درس، والماضي إلى رافعة لمستقبل قائم على السيادة والكرامة المستعادة.
إن هذا العمل المتعلق بالذاكرة يتجاوز نطاق الإحياء السنوي. فهو أيضًا موجّه نحو المستقبل. لذا، تلتزم الحكومة بتعزيز مكانة تاريخ مجزرة تيارُوي في مناهجنا الدراسية. يجب أن يعرف أطفالنا تسلسل أحداثها، وشخصياتها، ورواياتها. يجب أن يفهموا آليات الهيمنة الاستعمارية وقيمة المقاومة. فهذه المعرفة هي أساس وعينا الوطني، ومواطنتنا، والتزامنا الإفريقي المشترك.
إن مجزرة تيارُوي ليست مجرد واقعة تاريخية، بل هي رمز كامل: رمز لعنف النظام الاستعماري، ورمز للمقاومة الإفريقية، ولتوقنا العميق إلى الحرية والسيادة.
والكرامة لا ثمن لها. ومن ثم، فإن مسألة العدالة وجبر الضرر يجب أن تُطرح اليوم بهدوء ولكن بحزم، على أساس الحقيقة التاريخية وواجب الإنصاف تجاه أسر الضحايا.
ختامًا، إن النضال من أجل ذاكرة تيارُوي هو نضال من أجل روح السنغال وإفريقيا؛ نضال من أجل ألا يُنكَر شعبٌ بعد اليوم في تاريخه، أو كرامته، أو حقه في الوجود بحرية.
أما أنا، فلن أدّخر أي جهد في هذا السبيل، حتى تظل ذكرى شهدائنا حيّة في ضميرنا الوطني وفي ذاكرة الأجيال القادمة.
عاش السنغال!
وعاشت إفريقيا موحّدة، حرّة ومزدهرة!