قدوة للأجيال !

0

سلامٌ عليك أيها الصانع للأجيال، والنافخ في أرواحهم بواعث الهِمَم، والحامل لمشاعل النور في دروب السائرين، يا من جعل الله على يديك انتفاض القلوب إلى الهدى، واستيقاظ العقول من رقاد الغفلة. سلامٌ عليك في مستقرّك، وعلى ذكراك في العقول والقلوب، وعلى آثارك التي لا تزال شاهدة على إخلاصك وصدقك.

سلامٌ على روحك الطاهرة؛ يا من علّقت قلبك بحلقات القرآن، وجعلت نهارك وليلك وقفًا على تلاوته وتعليمه، فكنت بين ضجيج الصغار وصخب الغلمان وقودًا حيًّا للصبر، ومثالًا يُحتذى في الثبات. لقد رأيناك تُصغي إلى أصواتهم بسمع الأب، وتُهذّب أخطاءهم بصدر المعلم الحليم، وتغرس في نفوسهم نورًا لا ينطفئ وعلمًا لا يبور.

وسلامٌ على ذكراك المشرقة؛ يا من اتخذت الخيام المصنوعة من الأعشاب مقامًا للعلم، واتخذت الصبر في قسوة الطبيعة رفيقًا، فلم يَحُل بينك وبين رسالتك حرٌّ ولا قَرّ، ولا ضيقٌ ولا فاقة. كنت تنام على الأرض الصلبة، وتستيقظ على الأمل، تسعى إلى رضا الرحمن كأنك خُلقت لذلك وحده، فلا تأخذك مشقة، ولا يثنيك عائق.

وسلامٌ عليك في مثواك الأخير؛ يا من وقفت للتعليم تحت لهيب الشمس، وفي مواسم المطر التي تشتد فيها الرياح، وفي الليالي التي يُلسع فيها البرد العظام؛ فكان ثباتك في تلك المواطن شهادةً لك أمام الله، ودليلًا على صدق العزم الذي حملته في صدرك.

والسلام على روحك؛ يا من لذت بالله الصمد كلما ضاقت الدنيا، واعتصمت به كلما تعاظمت الخطوب، وجعلت نبيَّه صلى الله عليه وسلم قدوتك في أخلاقك وصبرك ورفقك، واستقمت على كتابه استقامةً لا يعرفها إلا المخلصون. لم تكن تلتفت إلى دنيا تُقبل أو تُدبر، بل كانت غايتك أن تخرج جيلًا من حملة القرآن، يعرفون ربهم، ويخشون مقامه، ويعظمون كلامه.

وسلامٌ عليك؛ أيها الداعية الذي لم تهنه العثرات، ولم تضعف أمام الأيام، ولم يحنِ رأسه البلاء؛ كنت كالطود، لا يلتفت يمينًا ولا شمالًا، ثابتًا على ما آمنت به، قويًّا فيما دعوت إليه، صريحًا فيما أنكرته، لطيفًا فيما أصلحته.

سلامٌ على رحلتك المباركة مع القرآن، تلك الرحلة التي ابتدأت من مقاعد الصغار، وانتهت عند سجلات السماء، تُسطّر لك أجرًا لا يزول، وحسناتٍ تتردد آثارها جيلاً بعد جيل. لقد وهبت حياتك للقرآن، فوهبك الله الخلود بين أهله، ورفع ذكرك في أرضٍ وسماء.

والمجد لذكراك الخالدة؛ يا من أنرت البلاد بنور القرآن، فصار اسمك يُتداول في المجالس، ويُذكر في المحافل، ويُشهد له في كل مكان. عرفتك القرى والمدن، ورددت ذكرك الصدور قبل الألسنة، وبلغت سيرتك من لم يراك، وأحبك من لم يجلس بين يديك.

سلامٌ على ذكراك؛ يا من اجتزت المشاق كما يجتاز البطل الميدان، لا يلتفت إلى عثرةٍ ولا إلى جراح. كنت تمشي إلى موضع التعليم كأن الملائكة تُظلّك بجناحيها، وتعود منه وقد تركت وراءك نورًا يُشعّ في صدور التلاميذ.

والثناء الخالد لك؛ يا من افتخر بك الماضي والحاضر، لما قدمت من أعمال لا تُعدّ، ومآثر لا تُحصى، وجهود لا يعرف قدرها إلا ربّ العباد. كنت تتقن عملك إتقان الموقنين، وتخلص فيه إخلاص العارفين، وتبذل فيه بذل المجاهدين.

وسلامٌ عليك؛ يا من كنت أهلًا للرحمة إن ذُكر الراحمون، وأهلًا للجهاد إن ذُكر المجاهدون، وأهلًا للعلم إن ذُكر المعلّمون المقتدرون. لقد جمعت مكارم الأخلاق، وأقمت الحجة بعملك قبل لسانك، فكنت مُلهِمًا لأجيالٍ لا تُحصى، وستبقى كذلك ما بقي القرآن يُتلى.

وفي الختام… المجد لذكراكم، والرفعة لآثاركم، والسلام على أرواحكم يا مولاي أحمد الصغير لوح. نسأل الله أن يجعل مرقدكم روضةً من رياض الجنة، وأن يكتب لكم المقام الأعلى في عليين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

إعداد/ محمد الماحي لوح طالب في جامعة الشيخ أنت جوب ـ قسم اللغة العربية وآدابها !

Leave A Reply