أَحْلَامٌ مُعَلَّقَةٌ وَقُلُوبٌ تُوَاجِهُ الدُّخَانَ وَحْدَهَا!

✍🏾 عَاشِقُ الضَّادِ مُودُ جُوف الغَاتِيُّ.
لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَمَالَكَ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ مَقَاطِع الْفِيدْيُو الَّتِي تُظْهِرُ طُلَّابَ جامِعةِ شيخْ أنتَ جوبْ بِدَكار وَهُمْ يَخْرُجُونَ إلَى سَاحَاتِ الحَرَمِ الجَامِعِيّ مُطَالِبِين بِمِنَحهمِ الَّتِي طَالَ تَأْخِيرُهَا. كَانَتْ وُجُوهُهُمُ الْمُتْعَبَة وَصَيْحَاتُهُمْ الْمُلْتَهِبَةُ تَخْتَصِرُ أَشْهُرًا مِنْ الصَّبْرِ وَالمُكَابَدَة، وَيَكْشِفُ ضَرْبَ الدَّوْلَةِ صْفْحًا عَنْ أَدَاءِ أَبْسَط وَاجِبَاتِهَا تُجَاه أَبْنَائِهَا.
وَلَسْت أَزْعُمُ أَنَّ تَعَاقَبَ الْحُكُومَاتِ كَفِيلٌ بِمَسْح جِرَاحِ الْوَطَنِ، أَوْ أَنَّ تَغْيِيرَ الْوُجُوهِ سَيَجِلبُ حُلُولًا سِحْرِيَّة لِلْمُشْكِلَات الْمُتَرَاكِمَة؛ لَكِنَّنِي كُنْتُ أُحْسِنُ الظَّنَّ بِأَنَّنَا لَنْ نَعُودُ إِلَى تِلْكَ الْفَتَرَاتِ السَّوْدَاءِ الَّتِي يَخْتَلِط فِيهَا صُرَاخ الشَّبَاب بِدُخَان الْقَنَابِل، وَلَا إلَى تِلْكَ الْمُوَاجَهَاتِ العَنِيفَةِ الَّتِي يَخْسَرُ فِيهَا الْوَطَنُ أَبْنَاءَه مِنْ الطُّلَّابِ وَقَوَّاتِ الْأَمْنِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ.
أَتَسَاءَلُ: هَلْ نَسِيَ الْمَسْؤُولُون أَنَّهُمْ كَانُوا طُلَّابًا يَوْمًا مَا؟
أَمْ هَلْ تَنَاسَوْا أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ وَقَفُوا مَعَهُمْ، وَسَانَدُوهُم، وَصَدَقُوا وُعُودَهُمْ حِينَ كَانَتِ الْأَوْضَاعُ أَشَدَّ قَسْوَةً عَلَيْهِمْ؟ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ الطُّلَّابُ هُمْ أَنْفُسُهُمْ مَنْ سانَدُوهمْ، فَهُمْ عَلَى الْأَقَلِّ مُسْتَقْبَلُ الْوَطَنِ وَسَنَدُه، وَأَصْلُ قُوَّتِه وَنُهُوضِه. فَلَا دَوْلَةَ يُمْكِنُ أَنْ تَتَقَدَّمَ، وَلَا أَمَةَ يُمْكِنُ أَنْ تَزْدَهِرَ، مَا لَمْ تَعْتَنِ بِأَبْنَائِهَا الَّذِين يُشَكِّلُون عَقْلَهَا وَقَلْبَهَا وَمُسْتَقْبَلَهَا.
وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الْمَسْؤُولِين وَضَعَ نَفْسَهُ مَكَانَ الطَّالِب، وَشَاهَدَ بِعَيْنَيْهِ مَا يُعَانِيهِ مِنْ ضِيقٍ مَالِيٍّ، وَسُوءِ سَكَنٍ، وَقِلَّةِ وَسَائِلَ، وَضَغْطٍ دِرَاسيٍّ وَنَفْسِيٍّ؛ لَاسْتَحْيى أَنْ يُوَاجِهَهُ بِالْغَازِاتِ الْمُسِيلَة لِلدُّمُوعِ، أَوْ يَسْمَحَ بِإِطْلَاق الرَّصَاصِ فِي سَاحَاتِ الْجَامِعَةِ الَّتِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مُلْجَأَ آَمِنًا لِلْعِلْمِ لَا مَسْرَحًا لِلْعُنْفِ.
أَنْ تَكُونَ طَالِبًا جَامِعيًّا فِي السَّنغَال يَعْنِي أَنْ تَحْمِلَ هَمَّيْنِ: هَمَّ طَلَبِ الْعِلْمِ، وَهَمَّ تَأْمِينِ لُقْمَةِ الْعَيْشِ. يَعْنِي أَنَّ تَفْقِدَ دِفْءَ الْأَبَوَيْنِ بِسَبَبِ بُعْدِ الْمَسَافَةِ، وَأَنْ تَفْقِدَ رَحِمَةَ الشُّرْطَةِ والسُّلطَةِ، وَأنتَ أَحْوَجُ مَا تَكُونُ إلَيْهَا. أَنْ تَكُونَ طَالِبًا جَامعيًّا يَعْنِي أَنْ تُكَافحَ مِنْ أَجْلِ وَجْبَةٍ، أَوْ كَرَامَةٍ، أَوْ مَكَانٍ هَادِئٍ لِلْمُذَاكَرَةِ. يَعْنِي أَنْ تَتَشَرّدَ كَالْوَرِقِةِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ، تَتَقَاذَفُكَ الظُّرُوفُ وَالأَزَمَاتُ، بَيْنَمَا يَظُنُّ النَّاسُ أَنَّكَ تَعِيشُ رَغَدًا وَهَنَاءً. وَالطَّالِبِ – فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ – أَوْلَى بِالْعَطْفِ وَالرِّعَايَةِ، لَا بِحِرْمَانِه حُقُوقَهُ.
هَذِه الْمِنَحُ الْمُتَوَاضِعَةُ الَّتِي يَنْتَظِرُهَا لَيْسَتْ مُجَرَّدَ أَرْقَامٍ فِي سِجِلَّاتِ الْإِدَارَة؛ إِنَّهَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْيَانِ زَادُه الْوَحِيدُ، مِنْهَا يَأْكُلُ، وَبِهَا يَعِيشُ، وَمِنْ خِلَالِهَا يَعُولُ أُسْرَتَه أَحْيَانًا. فَكَيْفَ تُقْطَعُ عَنْهُ وَهُوَ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إلَيْهَا؟ وَكَيْفَ لَا تَتَحَرَّكُ ضَمَائِرُ الْمَسْؤُولِين وَهُمْ يَرَوْنَ شَبَابَ الْبِلَادِ يُطْرَحُون أَرْضًا فِي اشْتِبَاكِاتٍ كَانَ يُمْكِنُ تَجَنُّبُهَا؟ إِنَّ أَبْسُطَ دَرَجَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ تَقْتَضِي أَنْ يَتَذَكَّرَ هَؤُلَاء الْمَسْؤُولُونَ أَنَّ رَوَاتِبَِهَمْ الضَّخْمَةَ لَا تُعْطِيهُمُ الْحَقَّ فِي تَجَاهُلِ مُعَانَاةِ مَنْ لَا يَمْلِكُونَ سِوَى أَحْلَامِهُمْ. وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى تَحْسِينِ ظُرُوفِ الطُّلَّابِ، فَلْيَتْرُكُوا لَهُمْ عَلَى الْأَقَلِّ مَا تَبْقَى مِنْ أَمَلٍ، وَلَا يَقْطَعُوا عَنْهُمْ مَصْدَرَ رِزْقِهُمْ الْوَحِيدَ.
أَعِيدُوا لَهُمْ مِنَحَهُم، أَنْقِذُوا مَا بَقِيَ مِنْ طُمُوحَاتِهِمْ، وَاتَّقُوا اللّٰهَ فِي شَبَابِ هَذَا الْوَطَنِ؛ فَهُمُ الَّذِينَ سَيَحْمِلُون غَدًا عِبْء تَقَدُّمِهِ، أَوْ عِبْء سُقُوطِه.