تعد المصارعة من أقدم الألعاب القتالية في السنغال، بل هي الوحيدة التي عرفتها ، حيث ارتبطت بالثقافة والتقاليد المحلية، وتجاوزت كونها مجرد رياضة لتصبح جزءًا من الهوية الاجتماعية لكثير من القبائل والمناطق. فهي ليست مجرد منافسة بدنية بس ، بل تحمل في طياتها رموزًا ثقافية عريقة، تجمع بين الترفيه وإثبات القوة، والقدرة البدنية.
لكن على الرغم من شعبيتها، فإنها أصبحت في بعض الأحيان مصدرًا لأعمال الشغب والعنف، مما دفع البعض إلى المطالبة بمنعها بحجة أنها لا تسمن ولا تغني من جوع ، ولكنها تثير النزاعات وتتنافى مع بعض القيم والتعاليم الإسلامية.
غير أن النظر إلى المصارعة من زاوية العنف فقط، أو من الزاوية الشرعية فقط، قد يكون قاصرًا، إذ إن المشكلة الحقيقية لا تكمن في اللعبة نفسها، بل في السلوكيات المرتبطة بها، والتي – في الحقيقية – تعكس تحول المجتمع السنغالي بشكل عام نحو العنف في مختلف مجالات الحياة، وليس حكرا في المصارعة.
المصارعة بين الرياضة والثقافة
وبالمقارنة مع الرياضات الأخرى المعروفة في السنغال مثل كرة القدم، التي تحظى بمتابعة جماهيرية واسعة، نجد أن المصارعة تحمل بُعدًا ثقافيًا متميزًا.
فهي تقام في أجواء احتفالية تقليدية، و تسبقها طقوس تعكس الموروث الشعبي، مثل الأناشيد الحماسية ، والرقصات التقليدية ، والتعاويذ والتمائم.
كما أنها تمثل فرصة اقتصادية للعديد من الفئات، سواء من حيث الترويج التجاري أو من حيث خلق فرص عمل في مجال التدريب والتحكيم والتنظيم.
أعمال الشغب: مشكلة المصارعة أم مشكلة المجتمع؟
وإذا نظرنا إلى العنف المرتبط بالمصارعة، نجده ليس محصورًا فيها وحدها، بل إنه أصبح ظاهرة تمتد إلى مجالات أخرى مثل مباريات كرة القدم وخاصة المنظمة في فترة العطلة الصيفية التي صارت تمتد أكثر من اللازم ، والمهرجانات، وحتى الحملات السياسية، والتظاهرات الاحتجاجية ، وهذا يدل على أن المشكلة ليست في الرياضة نفسها، بل في التحولات الاجتماعية التي جعلت المجتمع أكثر اندفاعًا نحو العنف في تعبيره عن العواطف والمنافسة.
لذلك، فإن الحل -حسب رأيي – لا يكمن في إلغاء المصارعة، بل في تنظيمها بشكل أفضل، من خلال وضع آليات تمنع الشغب، وتعزز القيم الرياضية، مثل: تشديد الرقابة الأمنية، وتوعية الجماهير بأهمية التحلي بالروح الرياضية، وإيجاد قوانين صارمة لمعاقبة المتسببين في الفوضى.
نحو معالجة أوسع
من المهم أن نتعامل مع أعمال الشغب كظاهرة اجتماعية تحتاج إلى دراسة شاملة، وليس فقط في سياق المصارعة. فلا يمكن تجاهل أن العنف بدأ يظهر في مجالات مختلفة، مما يتطلب جهدًا مجتمعيًا للحد من أسبابه، سواء من خلال التعليم أو من وسائل الإعلام أو الخطاب الديني والاجتماعي.
خاتمة
المصارعة ليست مجرد لعبة، بل هي جزء من التراث الثقافي، ولها مكانتها في المجتمع. إلا أن تنظيمها بشكل سليم هو الحل الأمثل لضمان استمرارها بعيدًا عن الفوضى.
والأهم من ذلك هو معالجة أسباب العنف المتزايد في المجتمع السنغالي عمومًا، بدلًا من اختزال المشكلة في لعبة معينة؛ فبدلًا من إلغاء المصارعة، يجب استثمارها كوسيلة لتعزيز الروح الرياضية والانضباط، تمامًا كما هو الحال مع الرياضات الأخرى.
محمد الأمين بار اندو .