كتب / شعيب بن حامد لوح
عَقدت دائرة أنصار الدين الإسلامي -كالعادة- جامعتَها الصفية في هذا الشهر أغسطس، وحلَّ الدكتور عبد الأحد سَاني ضيفا لها في محاضرتها الثانية التي كانت تحت موضوع لم يزل حديث الساعة، وهو: “كيفيَّةُ التعامل مع الشريعة الإسلامية بمذاهبها المتعددة: تحدِّيات وحلول”، لقد أحسنت الدائرة الاختيار، وكانت زيادة لفظ: تحديات في محلها، فالتعامل اللائق بالمذاهب الإسلامية المتنوعة لا يَقوى عليه كثير من الناس، ومن شأن هذا الموضوع أن يثير أسئلة يَحار فيها لبُّ أمثالي، وكان الحديث فيه مناسبا في هذا الوقت.
وقد تناول الدكتور الموضوع تناولا نال إعجاب المستمعين، وإحسان المتابعين؛ لما تميز به من طرح كان أساسه العلم والدليل والوسطية الممدوحة في القرآن.
فقد تبين لي بعد إنصاتي للمحاضرة أن المرء مهما توغَّل في العلم أكثر، وهضمَ أمهاتِ الكتب في أي مجال، وأتعب نفسه في البحث والاستدلال قبل الحكم على شيء، مهما أكثر من هذه الأمور، ساعدته على تقبُّل المُخالف، والترحيب بكل رأي له حظ من الصواب، وإن كان خارج مذهبه، يعينه ذلك على أن يسعى جهده إلى تَحري الحق، ولا يضيق ذَرعا أبدا تجاه مخالفه، وسيَعي جيدا أن الاختلاف أمر طبيعي، أقر به الشارع، وعاشه الصحابة ولم يكن ليفسد بينهم وُدّا، أو ليحول بينهم دون تَزاور.
فالتبحُّر في العلوم، وعدم الاقتصار في الكتب المختزلة والمختصرة تجعل الشخص يوقن أن ليس بالإمكان جمع الناس في مذهب واحد؛ كونه مُضادة لسنة الله وأمره، ويعاكس طبيعة الإنسان وفطرته. فالمُعطى حظا من العلم يقف على أن الخلاف ليس فقط في الفروع وإنما أيضا في الأصول وفي العقائد كما في العبادات والمعاملات، يلتمس الأعذار لمخالفه، ويحسن الظن به، ولا يغتابه ولا يُكنُّ له في قلبه حقدا أو كراهية، يستيقن أن نقاط الاتفاق مع المخالف أهم وأكثر من نقاط الاختلاف، وأننا جميعا نرد الحكم إلى الله ورسوله عند التنازع.
تُحفزنا هذه المحاضرة إلى التعمق أكثر في التحصيل، أن لا نقف عند الشاطئ دون النزول في قاع البحر، أن لا تكتفي بالقُشور دون اللُّباب، أن نُعلي الهمَّة، أن نحب معالي الأمور، ونتجاوز سَفاسِفها، بالخُلاصة هذه المحاضرة أكدت تأكيدا بينا مقولة: “من قَلَّ علمُه، كثر إنكارُه”.
عصمنا الله وإياكم من السرعة في الحكم، والقول على الله بغير علم، كما نمد إليه يد التضرع أن يؤيد الدكتور وأمثاله ويحفظهم جميعا.