بقلم الكاتب /إبراهيم حسن جوف

إنه في التاريخ 25/11/2024 تم الفراغ من قراءة عمل أدبي للروائي السنغالي أبي بكر إبراهيم انجاي ، أخ عزيز على نفسي، بعنوان : ” مدينة اللصوص ” .
وبودي أن أكتب عليها تقريرا يتضمن انطباعي الخاص إثر قراءتي يأتي في صورة ملاحظات علمية ومنهجية ، وذلك أصالةً مني ، وبإيعاز من الكاتب نفسه.
وعلى بركة الله نبدأ :
السياق التاريخي :
تأتي هذه الرواية لتلقي بعض الضوء على خصائص فترة تاريخية شديدة الخطورة ثمثل منعطفا حاسما في التاريخ الاجتماعي والثقافي للقارة الأفريقية ، وهي تلك الفترة التي تواكب بداية التوغل الأوروبي في البلاد الأفريقية ، حيث يمّم بعض الكوادر الغربية وجوههم صوب هذا القطر كمكتشفين ومبشّرين .
وكانت مرحلة حاسمة وفاصلة في نفس الوقت ، حيث كان الحكم السوداني يتم عن طريق كيانات سياسية مستقلة، تتأرجح فيها الطقوس بين متطلبات الدين السماوي وبين مقتضيات الأرواحية ، ثم تمّ الانقلاب على الحكم الملكي من طرف القوى الأوروبية.
طبيعة الرواية :
الغائر في عباب هذه الرواية يجدها تمس المجال التاريخي – الاجتماعي :نهاية العصر الوسيط وتَباشِير العصر الحديث . وما جرى في هذين الطورين من مجريات في ظل الممارسات الأفريقية البحتة للعادات التقاليد وجميع النظم والتطبيقات الاجتماعية.
وقد أحسن الكاتب في تصوير هذه الفترة بكل ما ساد فيها من حياة البلاط وما تستلزمه من الخضوع الأعمى للسلطان والسعي الحثيث وراء تحقيق طلباته …… وأغلب الظن أنه اغترف غرفة بيده من معين كتابي الخاص في هذا القطاع”الأشعّة” ، والذي صدر في الآونة الأخيرة ، خاصة أنه وقع في يد الكاتب بنسخته المقرونة قبل صدور عمله .
شخصيات الرواية :
قد حالف الكاتبَ التوفيقُ إلى شأو بعيد في اختيار أسماء شخصيات روايته ؛ حيث نجده يربط كل محيط جغرافي تم ذكره بأسماء العائلات الفاشية فيها والتي تمثل اللغة التي يتحدث بها أهله غالبا ، فاختار اسم العائلة “سارْ” لشخصية سين سالوم ، وهو من أسماء القبيلة السيريرية التي استوطنت فوت تورُ ثم نزحت إلى منطقة “سين” ونواحي امبور – جُوال…. كما تم اختيار اسم العائلة “جالو” ( يرو جالو ص : 34) في البيئة الفلانية . وهذا الانتباه للنسيج الاجتماعي وللمجتمعات العرقية يعطي العمل طابعا حسنا.
لغة الرواية وأسلوبها :
بما أن اللغة هي الوعاء الذي يحمل عصارة الفكر، وقرارة الصدر ، وهواجس النفس، فإنها تمثل عنصرا أساسيا في الأعمال الأدبية وغيرها . ومن كُتب له أن يقرأ للكاتب في أعماله الأدبية الرصينة التي نشرها كـ”جريمة ولكن” و”الهاربات من الجنة” وقف ،بحق، على كاتب عالي الكعب راسخ القدم في اللغة العربية وآدابها . فهو يحسن بامتياز وصف المواقف والشخصيات والأماكن بألفاظ على قدر المعنى . واللافت للنظر أن مفردات البادية والأرياف تأخذ حصّة الأسد في هذا العمل. وقد استطاع الكاتب أن ينتقي لهذا الموقف الريفي ما يقتضيه المقام من ألفاظ البداوة وعباراتها المناسبة على نحو معجز وساحر.ولم نعهد عليه سابق إقامة لا بالريف السنغالي ولا المصري، فهو الكولخي الحضري.
ويترواح الأسلوب بين وقائع الخبر وتكهنات الإنشاء ، في الوصف والسرد ، والاستفهام والتعجب…..
وهذه الطبعة الأولى لا تخلُو كأي عمل بشري ، من جوانب نراها في حاجة إلى تدقيق، وهي بحمد الله لا تكون فادحة ، فلا تقدح بهيبة الرواية ولغتها القوية .
إبراهيم حسن جوف
05/01/2025