ماذا يحدث؟
كتب الباحث إدريس ٱيات
بعد دورة استثنائية مزدوجة لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا( UEMOA)، – تضم 8 دول، بما فيه مالي- و المنظمة الاقتصادية لغرب أفريقيا
(ECOWAS)، – 15 دولة تتضمن مالي- المكرس للوضع في جمهورية مالي، قررت في البيان الختامي، بفرض عقوباتٍ وصفت ب” القاسية جدًا” على مالي، وهي:
1) تجميد الأصول المالية لمالي داخل المصرف المركزي لدول غرب أفريقيا.
2) إغلاق الحدود بين مالي والدول الأعضاء في المنظمة.
3) تعليق المعاملات مع مالي باستثناء المستلزمات الطبية والأساسية. وتأهب القوّات العسكرية الاحتياطية التابعة للمنظمة للتدخل في مالي، عند الضرورة. ( وهو خطير)
4) سحب سفراء جميع الدول الأعضاء في مالي، يضاف عليه عقوبات أخرى تتعلق بالمساعدات المالية.
ما هو السياق العام للفهم؟
في وقتٍ سابق بعد الثورة الشعبية التي ختمت بتدخّل العسكر، والتي أسقطت حكومة الرئيس الراحل “بوبكر كيتا” تعهدت السلطات الانتقالية بتنظيم انتخاباتٍ في فبراير من العام 2022، من شأنِها أن تعيد السلطة للمدنيين وترسي حكومة منتخبة ديمقراطيًا؛ لكنّ الحكومة الانتقالية الثانية بقيادة هاشمي غويتا- بعد نهاية اجتماعٍ وطني لإعادة التأسيس شارك فيه العديد من الفصائل المالية- قدمت جدولاً زمنيًا لتمديد فترة الانتقال من 6 أشهر إلى 5 سنوات.
وفي الإبّان، تعاقدت الحكومة الانتقالية في مالي مع القوّات شبه العسكرية الروسية، والتي أعلنت أعضاء من ” إيكواس ” ومن ورائها فرنسا اعتراضت على التعاقد معها ( فاغنر) لمزاعم انتهاكات حقوقية.
إذنْ كان من الواضح أن تمديد فترة الانتقال إلى 5 سنوات، والتعاقد مع القوّات الروسية، يمثلان مصدر قلق لرؤساء منطقة غرب إفريقيا بأكملها، مخافة نسخ النموذج من عساكرٍ أخرى في المنطقة، عطفاً أنه تهديد لهيمنة سيدهم فرنسا، لصالح قوة منافسة والتي هي روسيا في هذا الإطار🇷🇺.
-قراءة في الحدثين على الصعيد الواقعي:
على صعيد التحليل المؤسساتي البحت، فإنّ قرارات ” إيكواس” على رغم – قسوتها- تتماشى تمامًا مع لوائحها والبروتوكولات التي تنص على الحكم الرشيد، والتي تعتبر مالي دولة موقعّة عليها وتعهدت باحترامها. طبعًا تكون ” إيكواس” في كامل حقوقها لو كانت تطبق القرارات بالتساوي، ودون الكيل بمكيالين، على جميع التجاوزات الدستورية، كما في غينيا وساحل العاج وجمهورية توغو مثال بين آخرين. لكن هيهات. حيث تعاقب مالي على عدم احترام التزاماتها والانقلاب على الدستور، في حين يُغضّ الطرف عن حالات مماثلة تجاه دولٍ في نفس الإقليم.
أما من وجهة نظر ناشطين ومحللين سياسيين من أمثالي، إنّ قرار منظمة ” إيكواس ” جائرٌ جداً تجاه دولة شقيقة، تُعامل كأنها عدوّة غازية، في نفس الوقت التي تعمل دولٌ في المنطقة على تسهيل الأجندة الفرنسية – العدو الحقيقي-. وتجلّى الجُور في القرار في سيناريو المطالبة بتأهب القوّات الإقليمية للتدخل في مالي حال خرجت الأمور عن السيطرة. بينما كانت هذه القوّات غائبة حين الحاجة إليها لمكافحة الإرهاب ولاستعادة الأمن في البلاد التي عانت من عدم استقرار لقرابة عقد من الزمن. وهذا ما يفسّر تحليل جموع من المراقبين على أنّ هذا التهديد مبطّن بمصالح فرنسية في المنطقة.
واستنادًا على ما سبق، جاء ردّ السلطات الانتقالية في مالي على عقوبات ” إيكواس” في هذه العبارات : ” تدين حكومة مالي بشدة هذه العقوبات غير القانونية وغير المشروعة التي اتخذتها “المنظمتان” وهما منظمات تأسست على أساس التضامن والمثل الأعلى لعموم أفريقيا، بشكل مثير للفضول في وقت تحقق فيه القوات المسلحة المالية نتائج مذهلة في الحرب ضد الإرهاب، والتي حققت نتائج مبهرة. لم يحدث منذ أكثر من عقد” مضيفةً… ” وتأسف حكومة مالي لأن المنظمات الإقليمية الفرعية في غرب إفريقيا يتم استغلالها من قبل قوى خارج إقليمية، لدوافع خفية. وفي الساعات المقبلة، ستتخذ حكومة مالي جميع التدابير اللازمة للرد على هذه العقوبات المؤسفة….”. انتهى.
طبعًا، هنا غنّي عن البيان، ذكر الدولة المقصودة ب ” يتم استغلالها من قبل قوى خارج إقليمية، لدوافع خفية”.
- ماذا عن عدم مشروعية السلطات الانتقالية للمطالبة ب5 سنوات لإعادة بناء الوطن؟
مالا يُكاد يُذكر للجميع هو أنّه قبل تقديم مقترح 5 سنوات من السلطات الانتقالية لمنظمة ” إيكواس” سبقها ” اجتماع وطني لإعادة التأسيس” (Assises Nationales) شارك فيه :
- 725 بلدية من أصل 749
- 51 دائرة من 60
- 1700 مندوب
ومن نتائجه وتوصياته، أنّه معالجة ملف الأمن والتعليم والصحة والعدالة، عطفًا على إنشاء هيئة جديدة، يمكنها عزل الرئيس الذي يحنث بالقسم (وأضفوا الطابع المؤسسي على ذلك) وهي الأولى في المنطقة تقريبًا. - قدمت توصيات ب (تنظيم الأحزاب السياسية).
- توصيات أخرى تنصّ بالتفاوض على شراكة عسكرية جديدة (قد يتضمن الصين والجزائر والكاميرون).
- تأسيس هيئة تنظّم انتخابية مستقلة.
- العمل على تطبيق اتفاقيات الجزائر (للتعاون الجاد والتفاهم مع إخوة الشمال).
ومن القرارات التي أثارت حفيظة فرنسا، الحذف الفوري لبطاقة مينا (المرتبطة بجواز السفر المالي) كانت تديرها شركة كندية، فسحبت حكومة الرئيس ” بوبكر كيتا” الامتيازات ومنحها لشركة ” توماس لودريان” ابن ” جان إيف لودريان” (ابن وزير الخارجية الفرنسي الحالي)، وبعد إلغاء الامتياز، طلبت السلطات المالية المختصة من فرنسا إرسال الأجهزة والمعدّات، حيث ستعمل مالي – من الآن فصاعدً- على إعداد جميع البطاقات والجوازات السفر الرقميين، وسيأتي سحب باقي الامتيازات لاحقًا.وهذا يمثّل المئات من الملايين يورو. وانطلاقًا مما سبق يمكن استيعاب التحامل الأفريقي على هذه الوطنية التي تحظى برضى واسع من شعبه.
لجميع ما سبق، لا يمكن لأحدٍ أن ينكر شرعية هذه الحكومة – ولو كانت انتقالية- نتيجة التفويض الشعبي من ” الاجتماع الوطني لإعادة التأسيس”. عطفًا على أنّها حكومة في دولة ثُلثُي أراضيها خارج سيطرة الحكومة المركزية، حيث يتعذّر لعوائل من العاصمة باماكو زيارة عناصر من نفس العائلة في ” موبتي ” مثلاً. ( انظر إلى الخريطة لمعرفة المناطق تغيب سلطة الحكومة المالية)؛ هذا بجانب الهجمات الإرهابية التي تقتل المدنيين يوميًا لغياب الحكومة في العديد من المناطق في البلاد، تحت حكومة الرئيس والعميل الفاسد ” إبراهيم أبوبكر كيتا” مع ذلك تصرّ فرنسا وذراعها ” إيكواس” على أنّ إقامة انتخابات في هذه الظروف أهمّ من مشروع 5 سنواتٍ اختاره جميع الشعب المالي المشارك في الإجتماع التأسيسي.
••• الختام:
على أساس التفكيرين العقلاني والنقدي، لماذا – من وجهة نظر فرنسا وإيكواس- ستكون حماية بروتوكولات منظمة متهالكة أهمّ من الشعب المالي الذي يفترض أنّها أنشئت لحمايته؟ منظمة مستعدة للتدخل العسكري لأنّها مغتاظة من حكومة – تحظى بشرعية مواطنيها- بينما تخلت عن ضحايا مالي الأبرياء تحت رحمة الإرهابيين، أين كانت هذه القوّات حينها؟. هل التعليمات الديمقراطية وانتخاباتٍ – ستكون مزورة غالباً في ذه الظروف، وستأتي بعكيلٍ آخر مثل بوبكر كيتا- أهم من آراء ملايين من الشعب المالي والواعي؟!!
إنّ الإجراءات التي تتخذّ ضد مالي في الإزمة الراهنة – حكومةً وشعبًا- تتجاوز العقاب السياسي، وترقى إلى حقدٍ ورغبة التركيع من فرنسا عبر إذرعها، فكما قال البروفيسور ” جان بول بوغالا”، : ” إنّ فرنسا لن ترضى أبدًا بأفريقيا حرة، وسيطرتها على العملة الإقليمية أوضح مثال”.
ونظرًا لإغلاق دول الجنوب حدودها أمام دولة شقيقة – لم نكن نتوقعها يومًا- يبقى خيار موانئ كل من موريتانيا 🇲🇷، وحدود الجزائر 🇩🇿 الخيارات البديلة لهذه الحكومة التي تخوض حرب جميع الشعوب المضطهدة من فرنسا، إنّه صراع القرن.
لتعيش مالي🇲🇱 أبيّة وكلّنا فداء لها، ولتعيش الشعوب الحرة!
إدريس آيات- العلوم السياسية- جامعة الكويت