كتب /السيد مصطفى الأمين انجاي
ما برح غموض كلفة القطار السريع الإقليمي مثيرا للجدل والنقاش داخل المشهد السياسي بين الموالين للحكومة والمعارضين لها والمجتمع المدني، بل في الرأي العام ككل. وازداد الوضع سوء مع بروز تناقضات في التواصل الحكومي حول تاريخ تدشين وانطلاق هذا القطار، أمر مثير للاهتمام والتوقف عليه كونه يتعلق بالخدمة العمومية من جهة وبالرأي العام من جهة أخرى.
في إطار تقديم الخدمة العمومية المندرجة تحت برنامج (خطة سنغال الناشئة ) إرتأت الحكومة تفعيل قطاع النقل العمومي خلال مجموعة من آليات ووسائط ذات طابع اجتماعي واقتصادي وتنموي. ويعد القطار السريع الإقليمي، من أهم المشروعات الكبرى التي تتفاخر بها الحكومة الحالية، باعتباره ركيزة جد أساسية تساهم في مواكبة وتسهيل عملية التنقل الحضري إلى جانب كونه عاملا مهما في انتعاش وتيرة التنمية الاقتصادية التي مازالت تواجه مشكلات وتحديات كبيرة نتيجة تأثير جائحة كوفيد19 على النشاطات الاقتصادية سواء على الصعيد الوطني أو على الصعيد العالمي.
وبالرغم من أهمية هذا المشروع الكبير، فإنه مازال يثير جدلا واسعا بين الفاعلين السياسين والمجتمع المدني حول التغطية المالية المقدمة لإنجازه، وتذهب الحكومة على لسان الوزراء المعنيين إلى أن المبلغ يقدر ب 730,2 مليار فرانك سيفا، فيما يقول المعارضون وفي طليعتهم عثمان سونكو إن الثمن يتجاوز 1000 مليار فرانك سيفا، أما المجتمع المدني فهو يطالب الحكومة بتوضيح الملاسبات القائمة على هذه البنية التحتية.
ولا تقصر الملابسات على الكلفة المالية فحسب، بل أكثر من ذلك، إذ إن الحكومة على ما يبدو تتلاعب بعقول المستخدمين بشكل خاص وبعقول السنغاليين بصفة عامة، وتجليات التلاعب تتمثل في العمليات التواصلية الحكومية الغير منسجمة ومتنافية مع الواقع، حيث إنه تم الإعلان عن تاريخ تدشين وانطلاق حراكات القطار في مرات عدة وفي نهاية المطاف يتم إرجاءه إلى أجل مسمى، ويمكن سرده على النحو التالي:
في شهر ديسمبر 2019، حدد وزير البنية التحتية والنقل البري عمر يوم تاريخ بدء استغلال القطار، على حد تعبيره: “القطار الفائق السرعة سيجري أبريل 2020»؛ وفيما بعد،أعلن المدير العام لشركة عبد نديني سال عن موعد جديد للتدشين قائلا: “سنشرع باستغلاله في 24 ديسمبر 2021 وسيكون رقما قياسيا عالميا فيما يخص إنجاز السكة الحديدة”؛ وفي أغسطس 2021، جاء منصور فاي بصفته وزيرا معنيا بالأمر، مؤكدا هذا التاريخ في كلمة له “يستطيع المستخدمون أخذ القطار 24 ديسمبر “، ثم يعلن من جديد أنه سيسير قبل 31 ديسمبر 2021. وكالعادة وبشكل فجائي، تم إرجاء الموعد إلى حينه بإذن الرئيس ماكي سال لأسباب غير مبررة. وهذه التصرفات توحي إلى وجود شرخ وعدم التوافق بين الرئيس وأعضاء الحكومة.
وكل هذه تحيلنا على أن نتساءل عن جدوى وجود خلية تواصلية في المؤسسات الحكومية إن كانت توجد فعل، وفي نطري أعتقد أن خلية التواصل موجودة فيها غير أنها لا توظف بشكل فعال وناجع، ومن ثم تبقى دون لعب دورها البالغ في الأهمية، وهذا خطير جدا حيث أنه يوثر سلبا على المنظومة الوزارية والادارية بحكم أن أي عمل تقوم به الحكومة تقتضي بالضرورة تدبير خطة تواصلية من شأنها تحقيق غرض التواصل السياسي المتمثل في الاقناع والتأثر على سلوك الفئة المستهدفة. ومن هنا تتجلى جدارة وأهمية التواصل السياسي الحكومي في تدبير السياسة العمومية التي يشارك فيها كل من السلطات والفاعلين السياسيين والمجتمع المدني مع كل تمثيلاته ووسائل الاعلام.
من وجهة نظر التواصل السياسي، يستلزم أي خطاب سياسي فعال ومثير الوقوف على عناصر أساسية لا غناء عنها تتمثل في الصدق والدقة والنزاهة والموضوعية. وانطلاقا من ذلك، يمكننا القول: إن خطابات الحكومة تفتقر إلى هذه العناصر برمتها، ما يعني أن عمليات التواصل الحكومي في هذا الإطار محكوم عليها بالفشل نهائيا، وقد تفضي إلى فقدان المواطنين الثقة بالحكومة بالمرة ولو كانت محقة، ذلك، أن علاقة الحاكم بالمحكومين مرهونة بالثقة الرابطة بينهما في المقام الأول.
أما التخبط والتناقض في قرارات الحكومة وضعف التواصل السياسي الدقيق مع الرأي العام، يشكل تجليات تقصير في أداء الحكومة وفشلها في تدبير الشأن العام، كما أنه يخدم لصالح الخطابات السونكوية الرامية إلى تثبيت ـ عدم جاهزية القطار للتحرك في وقت مبرمج له وغياب عنصر الشفافية في المشروع ـ وهذا في منظور التواصل السياسي يمكن أن يدل على نقطة إيجابية لسونكو وضربة قوية موجهة إلى خصومه الذين يصفون بالكذاب إثر أية خرجة اعلامية له.
وكخلاصة، نستنتج أن عنصر التواصل الحكومي جزء لا يتجزأ من الأعمال التي تشرف عليها المؤسسات الحكومية والإدارية، وبالتالي، يقتضي توظيفه بدقة من خلال إشراك الاختصاصيين والاعلاميين والباحثين في المجال. فالحكومة وأية حكومة مطالبة بالتواصل مع الرأي العام الوطني بصدق ودقة ونزاهة لترسيخ الثقة في فكره وفي سلوكه.